أخبار البلد -
استيقظ سالم في ساعات ما بعد منتصف الليل على صوت نباح الكلاب التي تحرس أغنامه، وخرج مذعوراً إلى الفناء الواسع، حيث حظيرة أغنامه الكبيرة التي أعدّها بعناية، وإذا به يُفَاجأ بلصّ يحمل عصاً وسكيناً، وما أن تبيّن ملامح وجهه الذي يُخفي نصفه بلثام مهلهل، حتى أدرك أنه التاجر ذاته الذي يتعامل معه في بيع وشراء الماشية..!
وقف سالم لبرهة مندهشاً، ونادى على اللص: أنت.. أنت.. هو أنت..؟!
لم ينبس اللص "تاجر الماشية" ببنت شفة، وأطلق ساقيه للريح هارباً..!
تفقّد سالم أغنامه.. لم يمسّها اللص كما لم يمسّها الذئب.. وعاد إلى بيته وأخذ يُفكّر بدوافع اللص "التاجر" لكنه لم يصل إلى نتيجة..! وأخذ يسترجع أفكاره وذكرياته، كان ثمّة نقص في أغنامه فيما مضى، لم يكن مصدّقاً نفسه، لكنه لم يكن مُطْمَئِناً، وكان الشك يساوره في كل مرّة.. هناك مَنْ امتدّت يدُه إلى أغنامه فسلب منها ما سلب.. لكنه في كل الأحوال ليس الذئب.. ليس الذئب..!
ولأن سالم شخص مُسالِم، فقد عَقَدَ العزم على المراقبة، ولا شيء غير المراقبة، لم يشْتَكِ إلى أحد، لكنه قرّر ألاً يبتاع من ذلك التاجر مرّة أخرى أبداً.. وسَلّمَ أمره لله..!
وذات صباح بارد، هاجمت البلدةَ جُرذانٌ ضخمة، دمّرت وخرّبت وعاثت وأفسدت، وروّعت الإنسان والحيوان، وعندما أُحْصِيت الخسائر بعد خروجها من البلدة، كان سالم الأقل خسارةً، لا بل يبدو أن الجُرذان لم تصل حتى إلى فناء بيته.. وعندما تقدّم مواطنو البلدة إلى الوالي بقوائم يُحْصُونَ فيها خسائرهم، دخل سالم مبتسماً، وأعرب للوالي عن استعداده للمساعدة في تعويض بعض الخسائر العامّة: أنا يا سيدي لم أتأثّر، ولم تصل الجُرذ إلى بيتي وماشيتي سليمة لم تُصَب بأي أذى..! فيما دخل لصّ الماشية ذليلاً مطأطئاً باكياً: لقد خسرتُ كل شيء يا مولاي، وأفسدت الجُرذان مزرعتي وسحقت ماشيتي وهرّبتها إلى حيث لا أدري.. لم يبق لي شيءٌ أبداً..!
نظر سالم إليه وقال: أنت.. أنت.. هو أنت..؟!
فالتفت اللص إلى سالم وقال مطأطئاً معترِفاً: آسف يا سيدي.. ها أنذا ألقى جزاء ما فعلتُ ونهبتُ طوال سنوات.. وطلب المسامحة والغفران..! وأخذ الوالي يُردّد .. أنها الجُرذان.. الجُرذان..! وأضاف سالم: يا الله.. كيف تفعل الجرذان باللصوص ما عَجزَ عنه الإنسان..!
Subaihi_99@yahoo.com