أخبار البلد
خلال دراستي الجامعية كانت زميلة لنا تفلسف النظرية النسبية لآينشتاين بطريقة (جرة الغاز)، بعيداً عن المعادلات الفيزيائية المعقدة فتقول بجدية بعد أن ترفع نظارتها فوق ارنبة أنفها: النظرية النسبية ببساطة تعني أن كل شيء نسبي، فجرة الغاز مثلاً شيء نسبي. فهي ثابتة السعة والكتلة، لكنها تدوم عند العائلة الكبيرة أسبوعاً واحداً على الاكثر، وتكفي العائلة الصغيرة لشهرين على الأقل. وهذا شيء نسبي. مفهوم ولا أعيد؟
أما زميلنا العاشق فكان يشرحها بطريقة غرامية أكثر سلاسة فيقول: ضع يدك على (روديتر) شديد الحرارة لدقيقة واحدة، فستشعر وكأن الأمر دام ساعة أو ساعتين أو دهراً، ولكنك عندما تجلس مع فتاة حسناء في النادي، فسوف تشعر أن جلوسك لم يدم إلا دقيقتين، رغم أنك (طنشت) من أجلها محاضرتين. هذه هي النسبية. أليس كذلك؟!.
بالطبع فالنظرية النسبية في فحواها تحرص على استبعاد كل ما هو نسبي، للوصول إلى صيغ ثابتة للقوانين، لا تعتمد على ظرف المشاهد أو المراقب وموقعه ولا على ظروف الحكومة وحاجتها لسداد رتوق عجز الموازنة المتفاقم. ولهذا اشتعلت أول أمس الأول سحابة غضب في مواقع التواصل الإجتماعي احتجاجاً على تلميح وزير المالية بالإنقضاض على جرة الغاز ورفع سعرها، بعد أن كانت ثابتا نسبيا طوال سنوات خلت.
في ظلال معادلات النظرية النسبية وتعقيداتها، فحياتنا لا تنطبق عليهم قوانين الفيزياء العادية إلا في موضوعة الحرارة النوعية (فنحن نحمى بسرعة كالحديد، ونبرد بسرعة كالحديد أيضاً). ولهذا اشتعلنا بسرعة، وكنا سنبرد في يومين، حتى ولو لم يعلن رئيس الوزراء عدول الحكومة عن الرفع ومشتقاته.
المحزن أننا سنلمس هذا الرفع المزعوم دون إتمامه، فكم من تاجر سيرفع سعر سلعته، تمشياً مع نوايا الارتفاعات وأفكارها وظلالها، وسيقول لك بيّاع العرباية على ناصية الشارع، إذا سالته عن رفعه لسعر كأس الترمس: شو كأنك ما عرفت ارتفاع سعر الهباب؟.
قد لا نستطيع تطبيق النظرية الحقيقية مع جرة الغاز، أو إخضاعها لقوانين وقياسات ثابتة ومعروفة للمشتقات النفطية، ولهذا أرجو أن نتذكر فقط العائلات المقهورة التي لا تكفيها جرة الغاز لأكثر من يومين في هذا البرد الصامط، ونطلب من أصحاب القرار أن يضعوا رؤوس أصابعهم لدقيقتين على (روديتر) الأسعار؛ ليقيسوا حجم ما يعانيه من هو منقوع حتى شوشة رأسه في مرجل التجار.