داعش تشكلت وسط الخراب في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها، ولا حياة لها إلا باستمرار الخراب، أو خلقه إن لم يكن موجودا، وفي هذا الوقت الذي بدأ ينحسر وجودها، ويتراجع تأثيرها، ستسعى إلى ضربات محدودة ولكنها موجعة، وستحاول كذلك اختبار ردود الأفعال لترى إن كان بإمكانها انتهاز خلل هنا، أو فرصة هناك.
ولا بد أن أجهزتنا الأمنية تعمل على كشف ملابسات ما جرى في الكرك، وهي على دراية بطبيعة المنظمات الإرهابية، وتأثير الفكر الإرهابي على المجتمعات في ضوء الصراعات المفتوحة في المنطقة على اتجاهات واحتمالات كثيرة، وهي تدرك كذلك التعقيدات المتصلة بانخراط أفراد من مجتمعنا في تلك المنظمات اعتقادا منهم أنهم يخوضون حربا وليس إرهابا، ومنهم من عاد بعد اكتشاف الحقيقة، ومنهم من منع من الالتحاق بتلك الحرب الآثمة، وفي جميع الأحوال ثمة من هو على صلة بالإرهاب يعيش معنا، ونعيش معه على أمل أن يعود إلى جادة الصواب، مستعيدا انسانيته، مستردا انتماءه الأسري والإجتماعي والوطني.
ولكن المشكلة أعمق وأعقد من أن تحل بالأمل وحسن النوايا، نحن بحاجة إلى تحليل دقيق وصريح تجاه واقع ومستوى ونوعية الإرهاب الذي نواجهه داخليا وخارجيا، ومن دون استراتيجية وطنية واضحة المعالم تأخذ الأبعاد الاجتماعية إلى جانب الدينية والفكرية والثقافية فسيظل الجدل والاختلاف قائما على محفزات الإرهاب كما لو أنها مبررات.
وفي ظل القناعة بأن التصدي للأرهاب يحتاج إلى مجهودات كبيرة، وإلى وقت طويل أيضا، فإن الطريقة المثلى تكمن في التضامن الوطني، وفي المساندة القوية للأجهزة الأمنية، وفي الوعي الذي لا يعني الفهم وحسب، بل عدم الوقوع في فخ الشبكة العنكبوتية التي استطاعت المنظمات الإرهابية استخدامها بصورة فائقة.
بعض مظاهر ما أدعو إليه رأيناه خلال ملاحقة الارهابيين ومداهمة قلعة الكرك أو المنازل التي تحصنوا فيها، حيث ساند الكركيون قوات الأمن العام والدرك، وأظهروا استعدادهم لخوض المعركة مهما تطلب الأمر من تضحيات، كما أظهر الأردنيون قدرتهم على التمييز بين ما هو حقيقي، وما هو متفعل من جنس الرسائل المشبوهة، وفي الواقع أمكن محاصرة ما جرى في حدود ضيقة، ولولا الوعي والانتماء الوطني لأدت تلك الأحداث إلى ما هو أسوأ وأخطر.
لأن هذه المعركة طويلة الأمد فنحن إذن نتحدث عن مستقبل من ما زالوا في الأرحام، ولذلك فإن كفاحنا وتضحياتنا في هذه المرحلة لا تستهدف ضمان أمننا واستقرارنا في المرحلة الراهنة، ولا مستقبل جيل الشباب الذي يعيش معنا وحسب، بل أولئك الذين لم يولدوا بعد.
ليس من صالحنا أن نغض النظر عن الأسس الدينية والفكرية التي قام عليها الفكر الإرهابي، ولا أن ننكر جذوره التاريخية، ذلك أن المعركة كما قال جلالة الملك عبدالله الثاني لا يمكن حسمها بالعمليات العسكرية والأمنية، ولكن بالتأسيس لفكر جديد لا يقبل تحريف القرآن الكريم، ولا سنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فكر يقوم على الوسطية والاعتدال والتعايش الإنساني، وتلك هي خطوتنا الأولى وجوابنا على السؤال المنطقي ماذا بعد؟!.
ماذا بعد ؟
أخبار البلد -
لا تمر أحداث الكرك، ولا تلك المواجهة المؤلمة مع الإرهاب دون مراجعة لأدق التفاصيل، يجب الدخول إلى القلعة، ولا أقصد قلعة الكرك العظيمة، ولكن قلعة الإرهاب التي حان وقت إزالة قواعدها، وتحطيم حصونها ودهاليزها ومخابئها، فهي قادرة حتى الآن على جرنا إلى كمائن قد لا تخطر على بالنا نتيجة الحدود المتداخلة التي تفصل بيننا وبينها !