السطر الأخير في الموازنة سيكون عجزاً بمقدار 907 ملايين دينار، أي بمعدل 2ر3% من الناتج المحلي الإجمالي. والمفروض أن الميزانية الجديدة سوف تشمل موازنات الوحدات الحكومية المستقلة، أي أنها ستكون موازنة الحكومة بمعناها الشامل.
لكي يستفاد من الفورمات السابقة المعمول بها في تنظيم الموازنات، فإن من المناسب أن تنظم موازنة 2017 في ثلاثة أعمدة: الأيسر يمثل أرقام موازنة الحكومة المركزية، والأوسـط يمثل أرقام موازنة الوحدات الحكومية المستقلة، والأيمن يمثل المجموع أو الموازنة العامة الشاملة.
من الطبيعي والمعتاد أن تكون مخصصات الموازنة الرأسمالية هي الضحية الأولى لسياسة التقشف المالي وتخفيض العجز والحد من المديونية، فالنفقات المتكررة إجبارية، ولا تتمتع بأي قدر من المرونة، وتستوجب الدفع ولو بالدين، اما موازنة المشاريع فهي اختيارية ومن السهولة بمكان تجميدها، وتأجيل المشاريع إلى أن تسمح الظروف المالية بذلك، أو إحالتها على القطاع الخاص كلما كان ذلك ممكناً.
لكن الرئيس يلمح إلى أن الكلف التشغيلية في الموازنة المقبلة ستكون أقل، والإنفاق الرأسمالي أعلى، أي أنه يقف ضد التيار حتى لا نقول ضد الواقعية والمنطق المالي.
الكلف التشغيلية لن تكون أقل مما هي عليه في هذه السنة 2016، والسؤال يتوقف عند نسبة الزيادة المقبولة لتعويض التضخم والنمو الاقتصادي، والمأمول أن تكون الزيادة في النفقات المتكررة محدودة بحيث لا تزيد عن 3% وأن يتم الالتزام بها.
أما النفقات الرأسمالية فالمفروض أن تقتصر على استكمال المشاريع تحت الإنشاء، وليس استنباط مشاريع جديدة في الظروف الراهنة.
في برنامج الإصلاح الاقتصادي رسم صندوق النقد الدولي سنياريو للوضع المالي، يشمل النمو الاقتصادي والعجز والمديونية، ونعتقد أن الصندوق لم يكن متشدداً بل في غاية التساهل، ولذا فإن الحكومة مطالبة بأن تتجاوز أهداف ومؤشرات وتوقعات الصندوق لتثبت أنها تستطيع أن تدير الوضع الاقتصادي والمالي بكفاءة وفعالية.
منتدى الاستراتيجيات يرد على الدكتور الفانك
ورد إلى رئاسة تحرير «الرأي» الرد التالي من منتدى الاستراتيجيات الأردني على مقال الدكتور فهد الفانك أول أمس الأربعاء والذي تناول فيه دراسة أصدرها المنتدى وجاء في الرد :
نثمن ثقة الاقتصادي المخضرم الدكتور فهد الفانك بمنتدى الاستراتيجيات الاردني ومتابعته الحثيثة لدراساته البحثية وتوصياته العملية.
ومن باب التحاور البناء حول موضوع سياسة الطاقة وتسعيرها، والذي قد يرقى الى أهم تحديات الإقتصاد الاردني، وددنا أن نلفت نظر الدكتور الفانك الى المبادئ الأساسية التي تحكم سياسة الطاقة. فالدكتور الفانك يؤكد لنا ان الهدف المنشود لسياسة الطاقة «هو تسعيرها بالشكل الذي يؤدي لاسترداد الكلفة وتوقف الخسائر.» ومع توافقنا التام حول هذا الهدف بحد ذاته، الا ان إختزال سياسة الطاقة فقط بإسترداد الكلف يفرغ سياسة الطاقة من مضمونها التنموي: الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أيضا. فعلى أي دولة في العالم، ناهيك عن دولة كالأردن شحيحة في موارد الطاقة التقليدية ومعتمدة على الاستيراد بشكل كلّي، ان تعى أولا التبعات الاقتصادية لعدم تنويع مصادر الطاقة وتوفيرها بشكل كفؤ ومستدام لصناعاتها. وعليها ان تعي ثانيا التبعات السياسية للإعتماد شبه الكلي على مصادر خارجية محددة وعدم تعظيم مصادر الطاقة محليا من خلال سياسات تحفيزية جادة. وعلى هذه السياسات ان تعي ثالثا التداعيات الاجتماعية لسياسات التسعير، خصوصا في مجال الدعم البيني الذي يمكن ذوي الدخل المتدني من إستهلاك الكهرباء لتلبية احتياجاتهم الحياتية الرئيسية. الولوج في هذه الاهداف ليس ترفا وليس مضيعة وقت كما توحي مقالة الدكتور الفانك، بل إنها في صميم السياسات التي تسعى الى التنمية الشاملة بدلا من الترقيع المؤقت.
ولذلك اقترح المنتدى ٣ سيناريوهات ( يمكن للقارئ الرجوع اليها من خلال مراجعة الدراسة والمنشورة على موقع المنتدى الالكتروني) تعالج المشكلة بشكل جوهري وترتكز جميعها على مبادئ أساسية تشدد على اهمية توليد كهرباء خضراء محلية وتشغيل قطاع الطاقة المتجدده وخلق فرص عمل وزيادة جدوى العديد من المشاريع الاستثمارية؛ جميعها تراعي التبعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تم ذكرها.
فالسيناريو الاول يدعو كبار المستهلكين أن يلتزموا بإنتاج اضافي بمقدار ١٥٪ أكثر من الطاقة التي يرغبون بإنتاجها لتكون الدعم الذي يساهمون به بدلا من دعم الاسعار وهي ليست الفائض عن حاجتهم كما اعتقد الدكتور الفانك بل هي انتاج اضافي يلتزم به من يلجأ لتوليد الكهرباء من الطاقة المتجددة. وهنا نرغب بالاشارة ايضا الى موضوع الكلفة الرأسمالية لإنتاج الكهرباء -والتي حدد الدكتور الفانك فترة سدادها بالست سنوات-بأن جميع دراسات الجدوى تشير الى أن المشار إليهم في السيناريو الأول بحاجه الى ٣ سنوات فقط لتغطية الكلفة الرأسمالية وأن هذه الانظمة ستوفر عليهم فاتورة الكهرباء لمده ٢٠ سنة على الأقل.
أما بالنسبة للسيناريو الثاني فهو لا يمس المستهلك المنزلي الذي يستهلك اقل من ٦٠٠ ك.و.س ولا يمس القطاعات الانتاجية حيث أن الحل يدعو الى رفع الدعم عن المستهلك المنزلي المقتدر والذي يستهلك أكثر من ٦٠٠ ك.و.س شهريا وهو مقتدر ماليا وليس بحاجه لدعم الحكومة ولا علاقة لهذا الحل بالمنتجين ولا يفضل المستهلك على المنتج من خلاله ابدا.
اما ما ذهب اليه المقال من أن «المنتدى يفضل دعم الاستهلاك على دعم الإنتاج» فهو عكس تماما ما تدعو له سيناريوهات المنتدى والتي تدعو الحكومة للتحول من «الدعم الدائم» الى «الدعم المستدام»؛ وخاصة من خلال السيناريو الثالث، أي التحول من دعم استهلاك الكهرباء الى دعم انتاج الكهرباء وذلك من خلال دعم انتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة!!
اما فيما يتعلق في مشروع الاصلاح الاقتصادي فيجب التوضيح بأن مشروع الاصلاح الاقتصادي والذي يتماشى مع متطلبات صندوق النقد الدولي يربط سعر الكهرباء بسعر النفط؛ والذي يعني بأن ترتفع الاسعار وعلى جميع المستهلكين في حال ارتفعت أسعار النفط عن السعر الذي ستحدده الحكومة لأنه يحقق تعادلا ويوقف خسائرها. كما نرغب بالتذكير بأنه وبالرغم من وصول اسعار النفط الى حوالي ٣٥ دولارا للبرميل وأقل في عام ٢٠١٥ الا أن الحكومة ممثلة بشركة نيبكو سجلت خسائر ٢٣٢ مليون دينار في ذلك العام.مما يعني بأن عكس سعر التعادل سيكون عند سعر منخفض لبرميل النفط ونجاوب الصواب إن اعتقدنا بإن ربط اسعار الكهرباء بأسعار النفط ممكن أن يخفض من اسعار الكهرباء.
ان تحقيق السيناريوهات الثلاثة ومتابعتها سيؤدي بلا شك الى استقطاب المزيد من الاستثمارات والمحافظة على الموجود منها، وبأسعار مناسبة حيث لا تؤدي الى خسائر حكومية ولا تؤدي الى خسائر في الاستثمارات المختلفة، وهذه من مبادئ المنتدى التي تشدد على أهمية أمن الطاقة وعلى دفع عجلة النمو الاقتصادي.
لذا نتمنى على الدكتور الفانك الاستمرار بمراجعة دراسات المنتدى وإيلائها الاهتمام، ولكن نتمنى عليه أيضا التأني في قراءتها والتمعّن وبشيء من الموضوعية في مقترحاتها.