ومطروح على جدول أعمال الكنيست، حتى الآن، أربعة مشاريع قوانين مشابهة، آخرها تم تقديمه قبل أيام قليلة. كلها تبدأ بتعريف إسرائيل على أنها "الدولة القومية للشعب اليهودي"، بقصد "الشعب اليهودي" في العالم. ومسألة "الشعب اليهودي في العالم"، هي بدعة اختلقتها الصهيونية لتبني عليها فكرتها للاستيلاء على فلسطين. ومن المفارقة، أن بعض العرب يقعون في مطب هذه الركيزة الصهيونية، بينما تؤكد كل الحقائق عدم وجود شعب يهودي في العالم. وهناك العديد من الأبحاث، منها ما أجراها يهود، تؤكد عدم وجود "شعب". فيما تقول وجهات نظر أخرى، إن أبناء الديانة اليهودية الذين هاجروا الى فلسطين منذ منتصف القرن التاسع عشر ولاحقا، كوّنوا ملامح "شعب"، ويقصد "الشعب الإسرائيلي"، بمعنى اليهود الإسرائيليين، وتفنّد وجود شعب في العالم.
وهناك سلسلة من الدلائل التاريخية التي تؤكد عدم وجود "شعب يهودي"، ولا حتى تاريخيا، وإنما اليهودية ديانة انتشرت خارج حدود فلسطين التاريخية التي نعرفها اليوم، ولاقت امتدادا في الامبراطورية الرومانية. وهذا يظهر جليا، مثلا، في الإنجيل المقدس في سفر أعمال الرسل؛ إذ يظهر بشكل واضح أن تلاميذ السيد المسيح حينما انتشروا في الإمبراطورية الرومانية والقسطنطينية، كانت محطاتهم الأولى لدى عائلات وأشخاص يحملون أسماء رومانية، يعتنقون الديانة اليهودية.
والداعم الأحدث نسبيا لهذه الحقيقة، هي مملكة "الخزر" التي انتشرت في محيط بحر قزوين، وامتدت جغرافيا في مناطق باتت دولا مستقلة، مثل تركيا والمجر وغيرهما. إذ يؤكد التاريخ أن ملك الخزر اعتنق اليهودية في العام 740 ميلادية، وتبعته قطاعات واسعة من شعبه، بينما الباقي بقي على عباداته الوثنية. ويؤكد التاريخ أن أولئك اليهود هم أجداد اليهود الذين انتشروا في تركيا وأوروبا الشرقية وروسيا.
كما هناك حقائق تفند مزاعم اليهود بحجم "مملكة يهودا"، وكأنها كانت تمتد على كامل فلسطين التاريخية وأكثر. إذ نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، قبل عام، تقريرا عن تفاصيل حفريات جديدة في منطقة غربي جنوب منطقة الخليل، عن مدينة "جت" الكنعانية، التي كان يسيطر عليها "الفلستيين" (ليس الفلسطينيين)، الذين ورد ذكرهم مرارا في التوراة، وكانوا في حالة صراع دائم مع "مملكة يهودا".
وكان لأولئك الفلستيين في العام الألف قبل الميلاد، خمس مدن كبرى في فلسطين. ويقول علماء آثار، إن مدينة "جت" كانت تمتد على مساحة 500 دونم، بينما "مملكة يهودا"، التي حكمها الملكان، حسب تسمية التوراة، (النبيّان) داود وابنه سليمان، كانت عبارة عن مدينة القدس، بمساحة لا تتعدى 120 دونما، ومساحة ضيقة جوارها. وأنها "كانت عبارة عن إمارة صغيرة.
إن نقض ونسف الفكرة الصهيونية الاقتلاعية العنصرية، يجب أن يبدأ من نسف مزاعم وجود "شعب يهودي" في العالم. والصهيونية تعرف في داخلها هذه الحقيقة، ولذا فإن الكثير من التقارير الصادرة عن مؤسسات ومعاهد الحركة الصهيونية في العالم، تتركز في كيفية جذب الأجيال الجديدة من أبناء الديانة اليهودية في أوطانها خارج إسرائيل، إلى اليهودية كـ"شعب"، وإلى الصهيونية كمنظمة ترعى فكرة "الشعب". واعتمادا على تلك التقارير وحدها، فإن معركة الصهيونية تسجل "خيبات وخيبات"، لأن كل استطلاعات الرأي تؤكد ابتعاد الأجيال الشابة اليهودية في أوطانها عن مؤسسات الديانة اليهودية، بما فيها الأطر التعليمية، ولكن بشكل خاص الابتعاد عن "الانتماء" للمشروع الصهيوني المسمى إسرائيل.
وفوق كل هذا، فإن كل التقارير الصهيونية تعترف بحقيقة أن الغالبية الساحقة جدا من محفزات الهجرة اليهودية إلى فلسطين، هي اقتصادية، وأن الدافع الأيديولوجي هامشي. ولكن في السنوات القليلة الأخيرة، تنجح الصهيونية في ترهيب أبناء الديانة اليهودية في أوروبا وفرنسا خاصة، للهجرة إلى فلسطين بدافع الخوف، باستغلال العمليات الإرهابية التي تقع في أوروبا. وهذا هو الأسلوب الذي اعتمدته الصهيونية في النصف الأول من القرن العشرين بين الحربين العالميتين وما بعدهما.