الممهّدات التاريخيّة لعلمانيّة العسكر التركي

الممهّدات التاريخيّة لعلمانيّة العسكر التركي
أخبار البلد -  

لطالما تحدّثت الكتابات السياسيّة التبسيطيّة عن العلمانيّة التركيّة بوصفها قطعاً مفاجئاً في التاريخ التركي جاء بزعامة قائدٍ ملهم (مصطفى كمال أتاتورك) وعسكره، قطَعَ مع الإرث العثماني الإسـلامي ويمّم وجهه شطر الغرب. وإن كانت الأطروحة تعكس جزءاً من الحقيقة، وهو أنّ العسكر كانوا رافعة العلمانية الأساسيّة في تركيّا، لكنها لا تلبّي مسلتزمات البحث التاريخيّ ولا تستقيم ومقتضيات منطق الاجتماع السياسي.

 

 

أشار باحثون اجتماعيّون ومؤرّخون مختلفون إلى خصوصيّة العنصر العسكري كعنصر متأصّل في الشخصيّة التركيّة منذ أيام قبائل التورك في سهوب آسيا الوسطى، ودور السلاجقة أيام الخلافة العباسية، مروراً بتأسيس الامبراطوريّة العثمانيّة التي لم تهدأ حروبها في مرحلة توسّعها الإمبراطوري، ولاحقاً حروبها الطاحنة مع جيرانها انتهاءً بحروب الجمهوريّة الحديثة الأتاتوركيّة الداخليّة والخارجيّة. كل ذلك هيّأ للقوى العسكرية أن تتكوّن ركناً فاعلاً في مسار الحكم والنزاع على السلطة وتحظى بمكانة اجتماعيّة خاصة.

 

 

دبّ الوهن والجمود في الجيش في ظل السلطنة العثمانيّة مثله مثل المؤسسات الأخرى في مرحلة التراجع، حتى جاءت الثورات الأوروبيّة وشعر الحكاّم العثمانيّون بضرورة ملحّة للتحديث، فبدأ السلطان محمود الثاني منذ مطلع القرن التاسع عشر بعمليّة تحديث الجيش بغية تحويله إلى مؤسّسة حديثة، فقضى على قادة الجيش الانكشاري في مجازر دامية، وشرعَ بعدها بتأسيس مدارس عسكرية عصريّة بإشراف ضباطٍ أجانب، وبإيفاد الضبّاط الأتراك للدراسة في الخارج، ممّا سمح بتكوين نخبٍ عسكرية مثقّـفـة متأثّرة بمفاهيم التنوير الأوروبي وحقوق الإنسان.

 

 

بعبارة أخرى، ظهر في تركيا المثقف التنويري العسكري إن صحّ التعبير، وترافق ذلك مع إصلاحات شتّى (سُمِّيت في الاصطلاح التركي العثماني بـ «التنظيمات») كان أهمّها التحول من تنظيم الملل إلى مفهوم المواطن والمساواة بين المواطنين.

 

 

ضمن هذا الإطار تبلورت فكرة الحكم الدستوري، وبدأ تشكيل جمعياتٍ سريّة في الجيش انتهت بوصول جمعيّة الاتحاد والترقي إلى الحكم عام ١٩٠٨ بانقلاب عسكري عزل السطان عبدالحميد الثاني، غير أن ضباط الجيش لم يكونوا جميعهم ذوي ميولٍ علمانيّة، فالصراع بين الأجنحة المحافظة في الجيش الموالية للخلافة والضبّاط العلمانيّين القوميّين كان معمّداً بالدم وتخلّلته انقلاباتٌ مستمّرة وتحالفاتٌ متغيّرة، انتهتْ بصعود الثلاثي العسكري جمال باشا وأنور باشا وطلعت باشا الذين زجّوا بتركيا في أتون الحرب العالميّة الأولى التي قصمت ظهر السلطنة، فخرجت خاسرة، محتلَّة، ما مهَّد الظروف لظهور مجموعة من الضبّاط القوميّين العلمانيين بقيادة مصطفى كمال أتاتورك قادوا حرب المقاومة الوطنية في ١٩٢٠-١٩٢٢ التي حرّرت اسطنبول والأناضول، فاكتسبوا الشرعيّة واعتلوا سدة الحكم.

 

 

وأعلن اتاتورك عام ١٩٢٤ قيام الجمهورية التركيّة وإسقاط الخلافة، ووَضْع دستورٍ حديث، حُدِّدت فيه ركائز الجمهورية لاحقاً بالمبادئ الكماليّة الستّة الشهيرة وهي «الجمهوريّة، القوميّة، الانقلابيّة، الدولتيّة، العلمانيّة، الشعبيّة». وكانت معظم النخب السياسيّة المتنافسة في هذه المرحلة، نخباً عسكريّة اكتسبت شرعيّتها من حرب الاستقلال وكاريزما العسكر حماة الوطن في الوجدان التركي. وظل هؤلاء ينازعون أتاتورك وفريق حكمه على السلطة، فلم تستقم له الأمور إلا بعد صراعاتٍ ضارية معهم، إضافةً إلى وجود كتل شعبيّة ضخمة محافظة وزعامات تقليديّة، كانت تطلّ برأسها كلما سنحت لها الفرصة في صورة أحزاب يمينيّة محافظة وإسلاميّة، ما دفع بأتاتورك في ٢٠ تموز (يوليو) 1935 إلى سن المادة الرقم ٣٥ من قانون الخدمة العسكرية والتي تنص على أن «وظيفة القوات المسلحة هي حماية الوطن ومبادئ الجمهوريّة التركية»، والتي أصبحت بنداً دستورياً، قامت على أساسه كل الانقلابات العسكرية اللاحقة باسم حماية مبادئ الجمهوريّة.

 

 

فكان العسكر كلما شعروا بتهديدٍ لسلطتهم وبمحاولة لسحب الغطاء الأيديولوجي عنهم تحركوا من ثكناتهم، فلم تتوقف تدخّلاتهم منذ أن خيضت أول انتخابات عام ١٩٥٠ بعد انتهاء مرحلة حكم الحزب الواحد (حزب الشعب الجمهوري) وفاز بها عدنان مندريس المحافظ وحزبه، فبرزت قوى اجتماعيّة جديدة هدّدت بتحوّل السلطة للمدنيين، بخاصة الكتل السياسيّة ذات الاتجاهات الدينيّة المحافظة واليسار الصاعد.

 

 

وبلغت تدخّلات العسكر ومحاولة تشديد قبضتهم على المجتمع وشتّى مؤسساته الصيغة الأكثر تطرفاً في دستور ١٩٨٢، بعد انقلاب الجنرال كنعان إفرين. ولكنْ مثل كل الأنظمة السلطوية العسكرية لم تسلم تركيا، العضو في حلف الناتو، من رياح التغيير العاصفة بعد انتهاء الحرب الباردة وظهور قواعد جديدة للعبة الدولية وظهور قوة اجتماعيّة سياسيّة جديدة كانت أشبه بمارد القمقم الذي أفلت أخيراً، وهي التيار الإسلامي الجديد المرن بزعامة رجب طيب إردوغان ورفاقه، الذي كان أفضل من فهم حينها تناقضات تركيا الداخلية وطبيعة التغيّرات في السياسة الدوليّة.


 

 

 

 

 

 

 
شريط الأخبار «المركزي»: تعليمات خاصة لتعزيز إدارة مخاطر السيولة لدى البنوك فرنسا ترسل سفينة عسكرية إلى سواحل لبنان احترازيا في حال اضطرت لإجلاء رعاياها الاتحاد الأردني لشركات التأمين يهنئ البنك المركزي الأردني بفوزه بجائزة الملك عبدالله الثاني للتميز عن فئة الأداء الحكومي والشفافية لعام 2024 الصفدي يوجه لنجيب ميقاتي رسالة ملكية جادة وول ستريت تستكمل تسجيل المكاسب بعد تصريحات رئيس الفدرالي الأميركي إعلان تجنيد للذكور والإناث صادر عن مديرية الأمن العام المستشفى الميداني الأردني غزة /79 يستقبل 16 ألف مراجع الملك يرعى حفل جوائز الملك عبدالله الثاني للتميز الخارجية: لا إصابات بين الأردنيين جراء الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان حزب الله: قصفنا مستعمرة "جيشر هزيف" بصلية صاروخية الحكومة تقرر تخفيض أسعار البنزين 90 و95 والديزل لشهر تشرين الأول المقبل وفاة احد المصابين بحادثة اطلاق النار داخل المصنع بالعقبة البنك الأردني الكويتي ينفذ تجربة إخلاء وهمية لمباني الإدارة العامة والفرع الرئيسي وفيلا البنكية الخاصة الخبير الشوبكي يجيب.. لماذا تتراجع أسعار النفط عالمياً رغم العدوان الصهيوني في المنطقة؟ حملة للتبرع بالدم في مستشفى الكندي إرجاء اجتماع مجلس الأمة في دورته العادية حتى 18 تشرين الثاني المقبل (ارادة ملكية) الاعلام العبري: أنباء عن محاولة أسر جندي بغزة تسجيل أسهم الزيادة في رأس مال الشركة المتحدة للتأمين ليصبح 14 مليون (سهم/دينار) هيفاء وهبي تنتقد الصمت الخارجي بشأن العدوان الإسرائيلي على لبنان مشاهد لتدمير صاروخ "إسكندر" 12 عربة قطار محملة بالأسلحة والذخائر لقوات كييف