مدح النفس ؛ موضوع تختلف فيه أراء الناس حوله فمنهم من يعتبره تكبرا و منهم من يعتبره ثقة زائدة بالنفس ، لكني ومن وجهة نظر شخصية بحتة أقول : ـ
إن مدح النفس و التفاخر بها والإكثار من الكلام عنها ، والمفاخرة بمحاسنها وبإنجازاتها تعتبر ثاني الخصال الذميمة في الانسان بعد الكذب ؛ هذا إن لم تكن هي الخصلة الأولي !! وخاصة إذا كان كل مايقوله المادح لنفسه كذبا ولم يكن له أساس له من الصحة .
فمدح النفس بدون أدلة مرئية ومن غير شواهد مشهودة ؛ أعتبره صلافة وعلامة من إحدى علامات الشعور بالنقص والدونية التي تدل على صاحبها ، وهو بهرجة يبهرج بها المادح نفسه ، متناسيا ومتجاهلا أنه سرعان ماينكشف الغطاء ، وسرعان ما تتوضح الأمور، وتطفو الحقائق ، وتظهر الحقيقة على السطح !! وخاصة لأن حبال الكذب وإن طالت تظل قصيرة !!.
إن الاكثار من كلمة أنا كذا ، وأنا كذا وأنا فعلت ، وأنا قدمت ، والقول : لو أني كنت مكان فلان لفعلت كذا ولو كنت مكان علان لعملت كذا ، فكل هذه التقولات ومع تكرارها تجعل قائلها يصدق نفسه ، فيتمادى بالكذب علي نفسه كثيرا وعلى غيره أكثر ؛ وذلك حتى يغطي عيوبه ونواقصه . ومن ثم نجده فيما بعد يقوم بالتفاخر بأجداده وأجداد أجداده ، فيذكر كاذبا فضائلهم على الإنسانية ويعدد خيراتهم على البشرية ؛ ويصفهم بخصال حميده لاتكون فيهم أصلا ولافيه هو أيضا !! مستغلا جهل الناس وعدم معرفتهم به ولا بأجداده العظماء هؤلاء في حين أنهم في حقيقة الأمر ربما كانوا سخفاء مثله ، وربما كانوا أكثر كذبا منه . !!؟؟
ومع أن القرآن الكريم قد حذر من تزكية النفس ، ومنع مدحها وعدم الإغترار بها. حيث قال تعالى في محكم تنزيله :ـ (.... فلا تزكوا أنفسكم ، هو أعلم بمن اتقى ) صدق الله العظيم .
وقال أيضا : ( ... ولا تصغر خدك للناس ولاتمش في الأرض مرحا ، إن الله لايحب كل مختال فخور ). صدق الله العظيم
ومع ذلك ؛ إلا أننا نجد أن الكثيرين من الناس قد استفحل فيهم مرض المدح الكاذب لأنفسهم ، ولم يستطيعوا معالجته ، فأصبح وباء خطيرا عليهم ، فعميت بصائرهم عن الحق وعميت عيونهم عن الحقيقة ، فأصبحوا لايرون إلا أنفسهم فقط ، وكأنهم هم وحدهم الذين يعيشون في هذه الدنيا لاسواهم .
فتجد منهم من يصف نفسه بأنه ذلك البطل الشجاع المغوار، حامي الحمى والديار، وأنه الفارس الهمام الذي لايشق له غبار ، وهو في حقيقة الأمر يموت فزعا ورعبا إذا مر بجانبه صرصارا أو فار !!، ومنهم من يصف نفسه بأنه ذلك الشهم الكريم السخي الذي لاتنطفىء له نار ؛ في حين أنه في واقع الأمر ؛ لئيم بخيل ، حاقد حاسد ؛ يصاب بالحمى والسعار إذا صرف درهما أو دينار .
ومنهم من يصف نفسه بأنه الخاشع الزاهد العابد الساجد في حين أنه هو في الحقيقة من يقوم بإعطاء الدروس للشياطين !! ومنهم من تراه يقول : إن الحياة جميلة .. لكن وجوده بها هو الذي يزيدها جمالا على جمال ، و منهم من يقول : "انا الذي نظر الأعمى الى أدبـــي ، وأنا الذي أسمعت كلماتي كل من به صمم " .
وبقي أن يقول لنا : أنه لولا وجوده معنا في هذه الدنيا لكان قد انقطع المطرويبس الشجر ، وهلك الزرع والضرع ،وانتشرت المجاعة ، وماتت جميع الكائنات ، و فنيت الحياة على الأرض ، وقامت القيامة !! وربما سيزيد بجاحة ويقول : أن الشمس لاتشرق أصلا إلا لكي توقظه من النوم و لايمكن لها أن تغيب قبل أن تستأذنه بالغروب !!! .
لكن ...المشكلة والطامة الكبرى ؛ وبالرغم من أن كل مايدعيه هذاالمادح لنفسه هو كذب في كذب ؛ إلا أننا نجد أن هناك بعض الناس البسطاء من يغترون بأقوال أمثال هؤلاء المادحين لأنفسهم بسبب كثرة ما يسمعون منهم ، فيضطرون الى تصديقهم والوثوق بهم ؛ فيقعون في براثنهم وحبائلهم ومصائدهم ؛ فيكونوا بعد ذلك من أكثر الخاسرين ومن أشد النادمين !! .
فيا أخوان ويا أخوات : هداكم الله جميعا . راجيا منكم أن تكبروا عقولكم قليلا وأن تعلموا أن صاحب الصفات الحسنة والأخلاق الجميلة العالية ؛ ليس بحاجة الى مدح نفسه على الإطلاق . إذ أن أفعاله ، وتصرفاته ، وسلوكه ، وحسن تعامله مع الناس ، ودرجة قربه من الله ، هي من تمدحه وهي من تزكيه ؛ وليس لسانه ولاأقواله !!. من يتواضع لله يرفعه الله .
لهذا ياأخي المغرور وياأيها المادح لنفسك !! بداية إني أدعو الله لك بالهداية والرشاد وسواء السبيل . لكن دعني أذكرك بأن " ابليس " هو أول من مدح واغتر بنفسه ، فلا تكن كإبليس هذا ولاتكن من أعوانه ولا من مساعديه . ولو كان المجال يسمح لي لكنت قد ذكرت لك الكثير عن صفات ابليس هذا .
لكن اختصارا مني للموضوع ؛ فإني أرجو منك ألاتغتر بنفسك ، وألاتبالغ بمدحها أكثر من اللازم . فالناس ياأخي ليسوا أغبياء الى هذا الحد الذي تظنه وتعتقده أنت ،!! واعلم أنهم يتضايقون جدا من كل شخص مثلك يمتدح نفسه كثيرا ،وأرجو منك كذلك أن تكف عن قول : أنا وأنا وأنا . فعفوا !! من أنت !! ؟ حتى تظل تقول لنا : أنا وأنا وأنا .!!؟؟
فأنت لاشيء .!! بل إنك انسان كاذب كذاب ، تكذب على نفسك وتكذب على غيرك في معظم ماتدعيه وماتقوله . ألا تعلم ياهذا أن " مادح نفسه كذاب "!!؟؟ لهذا ألجم لسانك وأسكته ، ودع الآخرين هم الذين يتكلمون عنك وعن صفاتك وعن بطولاتك .. لا أنت !!
وما أجدر بك أن تعلم أن ذنوبك ومعاصيك هي أكثر من كل شيء ، و أرجو ألاتغرنك هذه الدنيا ، فالدنيا هي سجن المؤمن وجنة الكافر . لذا حاول أن تكون دائما عبدا متذللا الى الله وحده فقط ؛ فإذا قال لك أحدهم : ماأكثر احسانك !! فقل له : لا . إن ذنــوبي أكثر !!
هداني الله واياكم جميعا الى مايحبه ويرضاه ، وعرفني وإياكم بحجوم أنفسنا الحقيقية وحدودها .
دانا جهاد
طالبة جامعية ـ
dana.jehad@hotmail.com