نحن الان نعيش في زمن الدولة التي تفكر وتبدع وتبتكر سابقاً لم تكن تحتاج الدولة الى استخدام الافكار في فرض هيمنتها وسيطرتها مثلما تحتاجه اليوم في زمن اصبح فيه الناس يقرأون ويتابعون ويتفاعلون عبر وسائل الكترونية حديثة من السهل الحصول عليها ونحن نتحدث عن الدولة الحديثة فلقد عاشت المنطقة العربية سابقاً عدة مراحل الاولى منها حين ترامت اجزاء الامة وتوسعت منذ قرون واصبحت مناطق شاسعة وانعزلت مناطق عن المدن الرئيسية الكبرى وعن المراكز الادارية بالتالي كانت اضعف من ان تسيطر بشكل كامل على كل شيء في تلك المناطق فكانت الافكار والطروحات والمبادرات متنوعة وتفرض بالقوة ليكون لها حيزاً بالوجود اما المرحلة الثانية فهي مرحلة الدولة العربية الحديثة التي منذ اكثر من نصف قرن لم تكن محتاجة الى ان تستخدم الافكار لانها دولة شمولية وتستخدم القوة القسرية في ادارة امورها وشؤونها فلقد استخدمت الافكار التي تريدها وتريد ان تفرضها بالقوة على الناس وتجبرهم عليها وعلى تصديق كل ما تطرحه فلها اتباعها المنتفعين واصحاب المصالح المسوقين والمتنفذين لتلك الافكار الجاهزة ولكننا اليوم لم تعد الدولة حرة ومطلقة اليد في طرح ما تريد وان تفرض على الناس ما تشاء بالقوة القسرية دون دراسة وتحليل وتمحيص ودراسة كافة الجوانب الايجابية والسلبية لكل فكرة لأي مشروع او قانون او عمل وذلك للعديد من الاسباب اولاً وجود المراقبات الدولية التي تراقب وتقيم وتدرس مدى انعكاسات تلك الافكار واسلوب طرحها وفرضها وانعكاساتها المؤثرة على الناس وردود الافعال وابعادها السلبية والايجابية فأصبحت الدولة مراقبة دولياً من منظمات دولية ومنظمات حقوق الانسان ومنظمات الشفافية العالمية التي تقيم وتقيس وتصدر احكامها على كل شيء مؤثرة على جميع الدول المانحة والداعمة لتلك الدولة .
كذلك نجد الان مجتمع مثقف متعلم وبوجود اعلام وشبكات تواصل اجتماعية من الصعب السيطرة عليها كما كان سابقاً فكل فكرة لها من يسوغها ومن يعترض عليها يفسرها ويحللها ومن يؤيدها ويفندها بين سائل ومجيب بين موالي ومعارض بين جاهل وحكيم لذلك اضطرت الدول المتحضرة والحديثة والمتفهمة لتلك المتغيرات ان تخوض بالمرحلة الثالثة لوجود مجتمع مثقف متعلم يطمع غالبيته بالحرية التي تعني بتقليل من مظاهر السلطوية ولديه الكثير من الافكار التي كان محظوظا ًان وجد وسائل تساعده على التعبير عنها مثل الانترنت وغيرها وتلاحظ الدولة ان الناس تزداد افكارهم ويتلاحم منطقهم الذي اصبح يهدد في كثير من الاحيان منطق الدولة واساليبها التقليدية واضطرت كثير من الدول لطرح اسلوب الامن الناعم من هنا نجد ان الدولة اصبحت بحاجة الى استراتيجيات جديدة ضابطة للتعامل مع تلك الافكار ولكي تبقى مسيطرة ولم يعد هناك شيء او مجال للتزييف .
ان دخول الدولة الى عالم الافكار أمر متجدد ومتطور ومن اجل الهيمنة لا بد من المواجهة الفكرية بدل الهيمنة السياسية والاقتصادية وغيرها لتساهم وتساعد الدولة بواسطة الكفاءات والخبرات العلمية في انتاج واعادة انتاج الواقع الاجتماعي بكل ثقة وثقل وحنكة ومعرفة ودراية فان الهرم والهزل اذا نزل في حكومات اي دولة من الصعب ان يرتفع فلا بد للدولة من ان تفتح للناس مجالاً للمشاركة الاجتماعية والسياسية ولم يعد الاعتماد في اختيار النخب التقليدية للمجالس مفيداً ومقنعاً ومرضياً خاصة في ضوء المتغيرات وتسارع الاحداث فهناك تَنَور جديد للطبقات الشبابية الجديدة فلم يعد هناك مكان لزيف رجل الدين المحرض ولا الى الاقطاعيات المجتمعية من الرجال التقليديين المهيمنين بالمال السياسي الذي يقضي على آمال وطموح ومستقبل الشباب في اختيار نخبة لا تصلح لا للزمان ولا للمكان ولا زمن للمثقف والاعلامي المملوك لاشخاص واتجاهات منحرفة فكرياً فهناك اصبح شباب واعي مدرك يحلل ويقيم فالدولة اذا ارادت الهيمنة لا بد لها من ابتكار طرق حديثة فبدل ان تكون دولة جباية عليها ان تكون دولة ابداع وابتكار وتنمية بثقافة الامتيازات وثقافة الديمقراطية التشاركية والتوافقية وعدم احتكار الدولة لكل شيء يشارك فيه المواطن للمؤسسات الاهلية وممارسة سياسة الاقصاء التي تضعف البنية النسيجية المجتعية بل تستوعب الافكار وتناقشها بالافكار وتتبنى النخب الشبابية القيادية كي لا تنعزل الدولة عن الناس وان لا تعيش همومهم ومشاكلهم وازماتهم فالانفصال كلما اتسع كلما كان الخطر اكبر .
المهندس هاشم نايل المجالي
hashemmajali_56@yahoo.com