ظروف عام ٨٩ غيرها في 2015، وتخلي القانون الجديد عن القائمة الوطنية بدل تطويرها وزيادة مقاعدها يضعف الحزبية ويقضي على فكرة كتل نيابية برامجية صلبة .
١- من حيث صفته انه قديم ، ذلك لانه عودة الى قانون ٩٨ الذي استبدل بقانون الصوت الواحد في عام ٩٣ . والمسألة هنا ليست فقط اننا نعود بالحياة البرلمانية والسياسية ٢٦ عاما الى الوراء ، وإنما في تجاهل ربع قرن من التغييرات التاريخية في العالم والمنطقة وقبل كل شئ في بلدنا . مثل حرب الخليج الاولى وعودة ٤٠٠ الف اردني من الكويت وتأثير ذلك سياسيا واجتماعيا ثم مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو ، معاهدة وادي عربة ، غزو اسرائيل لاراضي السلطة الفلسطينية وفشل أوسلو ، غزو امريكا للعراق وخيرا الربيع العربي ونتائجه الكارثية في سوريا والعراق واليمن ولبنان وليبا وغيرها . وفي ظل حربين : واحدة لتحالف دولي ضد داعش في سوريا والعراق . وآخرى لتحالف عربي ضد الحوثيين في اليمن . و يشارك الاردن في التحالفين . اما على الصعيد الدولي : انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة وتحول دول اوروبا الشرقية الى النظام الديموقراطي الحزبي القائم على تداول السلطة ، وهو ما يطلق عليه الموجة الثانية من انتشار الديموقراطية في العالم . ثم الموجة الثالثة للديموقراطية عالميا بتحول دول امريكا اللاتينية من الانظمة الديكتاتورية الى الانظمة الديموقراطية الحزبية التي تشكل حكوماتها اغلبية برلمانية برامجية حزبية .
٢- مشروع القانون لا يراعي هذه المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية انما يستخدم الأسوأ فيها ( الأوضاع في سوريا والعراق ) ليقدمه للشعب الاردني على طريقة ( احمدوا ربكم ، وين أنتم بالنسبة لغيركم ، وهذا اللي عندنا ) . ولو ان الرئيس النسور يقرأ الأحداث والمتغيرات التاريخية بنفس قدرته في البحث عن كل منفذ يمكنه من فرض قوانين جديدة في الضريبة والجباية والرسوم لوجد ان الدرس الاول من هذه المتغيرات الإقليمية الخطيرة هو وضع قانونين للأحزاب والانتخابات يمكنا الشعب الاردني من ايصال كتل تيارية وحزبية برامجية الى مجلس النواب تستطيع ( منفردة او بالتحالف مع كتل اخرى ) تشكيل حكومة تمثل الأغلبية الشعبية وتنفذ البرنامج الذي منحته ثقتها بالانتخابات ، عندئذ تنتهي ( حالة عدم الثقة بالحكومات وتتقلص موجات الإشاعات عن الفساد ) ، او على الأقل تشكيل كتلة معارضة صلبة ( كخطوة أولى حقيقية على طريق الاصلاح السياسي ) وهذا افضل وصفة لمواجهة التطرف والعنف المنتشر من حول بلادنا كالوباء. لا . الشعب الاردني يستحق اكثر من المفاهيم السائدة بان ( هذا اللي عندنا وبوسوا ايدكم وجه وقفا ) .
٣- التخلي عن الصوت الواحد هو اعتراف بان الدولة والحكومة والشعب اضاعت ٤ سنوات لتعود الى نقطة الصفر عندما تشكل رفض رسمي و اجماع شعبي نادر لقانون الصوت الواحد من قبل لجنة الحوار الوطني التي تشكلت في عام ٢٠١١ . لقد مرت ٤ سنوات ثمينة جداً ولا تعوض لان المناخ السياسي والشعبي كان سيلتف التفافا قويا حول اي قانون يتضمن التخلي عن الصوت الواحد وكانت الدولة ستكسب وكذلك الحكومات والاحزاب والناس . ولا اعتقد ان الظروف الحالية هي نفسها ظروف ٨٩ او ظروف ٢٠١١ومجلس نواب ٨٩ لن يكون مثل مجلس ٢٠١٦ .
٤- اسوأ ما في القانون انه يكرس استمرار الحياة السياسية بعيدا عن حكومة برامجية حقيقية تعتمد على اغلبية نيابية . فهو كما قال النسور في مؤتمره الصحفي : الكتل تشكل بعد الانتخابات وليس قبلهالان الأحزاب ضعيفة . وهو بذلك ينقل المعادلة القائمة حاليا داخل مجلس النواب وفي علاقة المجلس بالحكومة الى السنوات الأربعة التي ستلي الانتخابات المقبلة . وهو يتجاهل بذلك حقيقة بان ضعف الأحزاب والكتل ناجم عن قانوني الانتخاب والاحزاب . وان تخليه عن القائمة الوطنية وتجاهله للأفكار القائمة على القائمة الحزبية يكرس ضعف الأحزاب وضعف تأثير قانون الانتخاب على بناء حياة ديموقراطية برلمانية .
كنا نتوقع ان يزداد عدد المقاعد المخصصة للقوائم الوطنية وان تعدل نسبة حساب الأصوات وشروطها لصالح وجود القوائم لا اخراجها من الساحة نهائيا . وكان على الأقل ادخال خطوة اصلاحية حقيقية على قانوني الانتخاب والاحزاب وعلى أنظمتهما مثل الاقتداء بقانون المملكة المغربية الذي يشترط قيام كتل انتخابية حزبية او غير حزبية وعلى أساس برنامج معلن امام الناخبين وانه في حالة وصول النائب الى المجلس فانه لا يستطيع الانسحاب من كتلته والتحول الى كتلة نيابية اخرى واذا فعل تسقط عضويته ويأتي مكانه من يليه في ترتيب القائمة الانتخابية لان القاعدة الديموقراطية تقول بانه لا يجوز للنائب ان يخون ثقة الناخب الذي انتخبه على برنامجه وليس على شخصه .
٥- يتجاهل القانون كل ما طرح في الاوراق النقاشية الملكية التي وضعت طريقا لتطبيع الحياة السياسية مع الديموقراطية ومن القاعدة الى القمة وصولا الى حكومة برلمانية تقوم على كتل برامجية صلبة . كما ان ما طرح خلال الأعوام الاخيرة من اقتراحات بصوتين واحد للدائرة الواحدة وواحد على مستوى المحافظة هو افضل بكثير وهو مناسب اكثر للامركزية التي هي الاخرى خرجت مشوهة ، اذ من النادر ان تجد لها مثيلا في الانظمة الديموقراطية .
الفرق الكبير بين قانون ٨٩ والمجلس الذي جاء عليه في ذلك العام وبين الطبعة الجديدة لهذا القانون هو في الظروف السياسية والمزاج الشعبي والحالة العامة. في عام ٨٩ كانت الانتخابات قائمة على مشاعر وطنية عامة تطالب بالتغيير وتسعى اليه بكل حماس بعد انقطاع طويل عن الحياة الحزبية لهذا نجحت في تلك الانتخابات كتل برامجية من الاخوان المسلمين الى القوميين واليساريين حيث دخل ممثلوا الأحزاب والتيارات بقوة في الحكومات . في عام ٢٠١٥ يأتي قانون النسور بعد ٣ سنوات من الاحباط الشعبي والسياسي الذي وجد الناس فيه بانه ( ما فيه فايده ) فبعد ادارة الظهر لمقررات لجنة الحوار الوطني ولمشاريع قانوني الانتخابات (في عهد حكومتي البخيت وعون الخصاونة ) شاعت حالة اللامبالاة وانتشر المال السياسي في المسرح الانتخابي وترسخت القناعات بان الحديث عن الاصلاح ليس جديا . واعتقد ان قواعد اللعبة في المجلس وفي العلاقة بينه وبين الحكومة لن تتغير في انتخابات عام ٢٠١٦.
باختصار : ظروف عام ٨٩ غيرها في عام 2015، وتخلي القانون الجديد عن القائمة الوطنية بدل تطويرها وزيادة مقاعدها يضعف الحزبية ويقضي على فكرة كتل نيابية برامجية صلبة ، وهو ما ينزع الدسم من احتفالية الحكومة بقانونها العتيد . .. القانون خطوة الى الامام لكن مع ١٠ خطوات الى الخلف . واخيرا يبقى السؤال من سيرحل قبل الحكومة ام النواب؟.