أخبار البلد - التقت قناة "روسيا اليوم" الامير الحسن بن طلال في برنامج "أصحاب القرار"؛ لقراءة حيثيات ما يجري على الساحة العربية من اضطرابات وثورات.
وقال الأمير الحسن إن المصالح وحدها تحرك تدخل الغرب في العالم العربي، معتبرا أن ما يحدث من تدخلات أجنبية في المنطقة العربية يرد إلى تعطش القوى الكبرى إلى النفط والغاز العربيين.
وفي اجابته على السؤال الـ18 قال الأمير:"أعتقد أن المسألة ليست أكبر من الملك، ولكن المسألة هي الملك ... في المملكة المغربية والمملكة الهاشمية، وغيرها من دول المنطقة، اعتقد أن النظام الملكي له صفة، إن أراد الملك أن يمارس السلطة المعنوية. فاللبيب من الإشارة يفهم، كما يقولون. السلطة المعنوية هي، أن يبتعد عن الدخول في تفاصيل الأمور، ولذلك عندما يلقي الملك خطاباً، على سبيل المثال ـ نسميه خطاب العرش ـ في افتتاح البرلمان، لا داعي ـ في نظري ـ أن يدخل في تفاصيل المطالب المحلية".
وفيما يلي المقابلة الكاملة مع الامير..
س 1- الآن، ربما يبدو العالم العربي بعد هذه الأحداث العاصفة، بحاجة إلى تحليل مفكر ورجل دولة ومساهم فلنقل فذ، فيما يعرف بعملية السلام، وفي حوار الحضارات. كيف تشخصون الوضع الحالي في العالم العربي؟
نقيض السلم هو الحرب، ويبدو لي أن حياتنا مليئة بالحروب، إما الحروب الانتقائية، أو حروب التحرر الوطني، أو حروب الحاجة! نرى اليوم أن العلاقات الثنائية، وخاصة مع الدول المتعطشة للنفط والغاز العربي، سادت الساحة من جانب. ومن جانب آخر أعتقد أن موضوع فلسطين وخلط الأوراق مع ما يسمى بالحرب على الإرهاب، جعلت الكثير من الانظمة العربية تتخذ مواقف تؤدي إلى انحسار الحريات. وأعتقد أن العراك الذي نراه اليوم في الساحة العربية هو نتيجة تراكمات الشعور بالإحباط لدى الإنسان. فأقول أن الحرب الآن في العالم العربي، في الساحة العربية .. هنا أتحدث عن السلم الداخلي .. هي صراع بين من يريد تقريب الفجوة وإغلاق الفجوة في كرامة الإنسان، وبين من يرغب في الاستمرار في التسلط، نتيجة للاستناد لعوامل دولية، كتسعيرة النفط والغاز. وطبيعة الحال الجبروت الإسرائيلي في هذه الأيام، وإن كانوا خارج منتصف الشاشة ولكنهم يشعرون بأن هنالك فرصة لهم للتحرك كدولة، وبطبيعة الحال الخطة الإسرائيلية تقدم في هذه الأيام للولايات المتحدة.
س 2- الا يلفت نظركم ـ سمو الأمير ـ أن الشوارع العربية المحتجة تخلو شعاراتها من شعار القضية الفلسطينية، الا يلفت هذا النظر؟
واضح جداً، الدولة التي قد تتأثر أكثر من غيرها، فيما بدأ في تونس، ولم ينته لا في القاهرة ولا في اليمن على سبيل المثال. أعتقد أن من الطبيعي أن الشارع الإسرائيلي مرشح لقيام مثل هذا التشظي. اليهود الشرقيون بطبيعة الحال مفروضون على الأمور، من قبل من يأتي من الفضاء السوفيتي سابقاً، روسيا، وهناك يهود من أصول أفريقية وهنالك عرب بطبيعة الحال، والحديث عن الدولة الدينية اليهودية يبعدهم .. فأعتقد، أن تغييب القضية الفلسطينية أولاً لأسباب موضوعية، تآكل الأرضية التي يقوم عليها ما تبقى من الحديث عن السلام بين العرب وإسرائيل، نتيجة للفيتو الامريكي قبل أيام، على قرار ـ صيغة لكلمات أمريكية ـ وهو إيقاف الاستيطان لعدم شرعية الاستيطان. فإسرائيل تشعر ـ والحكومة الحالية ـ بنشوة، وأعتقد أن هذا التغيير هو بسبب أن الإعلام ركز على الساحة العربية، دون معرفة أن هناك علاقة طردية ما بين القضية الفلسطينية، وما يجري في الساحة العربية، ما يجري في إسرائيل، وما يجري في الساحة العربية، فكما قال الكاتب المصري الذي عاش سبعة عشر يوماً في ساحة التحرير "إلا الأردن" ـ على سبيل المثال ـ لماذا إلا الأردن؟ لأنه إذا استطاعت إسرائيل أن تتوسع على حساب الأردن فأعتقد أن...
س 3- هل تعتقدون ـ في هذه الحالة ـ أن ما يجري الآن، هو مخاض غير واضح لشكل الوليد الذي سيأتي في المنطقة؟
أعتقد ان البداية كانت نظيفة نزيهة شريفة في 25 يناير في ساحة التحرير، وصادف أنها كانت في ساحة التحرير، أعتقد بأن قوات الأمن دفعت بهؤلاء الشباب، واجتمعوا واعتصموا طيلة تلك الفترة، ولكن إلى أين؟ هذا هو السؤال الذي يواجه الإقليم، طالما ان الإقليم يتعامل ثنائياً مع المصالح الخارجية. موضوع مصر والمساعدات الثنائية، الأمريكية لمصر على سبيل المثال، دور مصر في الحرب على الإرهاب، دور العراق في توفير كميات هائلة من النفط للدول الصناعية، طالما المعادلة أننا ننظر لماذا ـ وأقصد المجتمع الدولي ـ ماذا نستطيع أن نستفيد من هذه المنطقة النفطية، الفائدة طبعاً مادية. أنا آسف أن أقول روسيا، ذاك أنها بطبيعة الحال لم تؤيد قرار الدخول في ليبيا، وهذا حقها السيادي، ولكن من الواضح أن هنالك علاقة طردية بين ارتفاع أسعار البترول والغاز الروسي، مقابل أن الطاقة في المنظور الليبي ـ بطبيعة الحال ـ تدنت أسعارها. فالمسألة هي أن هذه الثورة الثانية ـ كما سمتها "العربية" ـ هي ثورة شباب، ثورة الإنسان العادي. السؤال، هل المعادلة الدولية تقبل بأن العرب يظهروا كإقليم، في إطار غرب آسيا وشمال أفريقيا، على الساحة السياسية؟ الآن المؤشرات غير مطمئنة، لأن كل دولة عربية لها ظروفها الخاصة، والدوائر الصناعية، وخاصة منها الغربية تتعامل معنا على أساس منظور تجاري لا غير.
س 4- سمو الأمير، ثمة من يتساءل، لماذا تتدخل القوة الغربية عسكرياً في ليبيا، ولا تفكر في التدخل في اليمن مثلاً الفقير، هل هذا شعار حماية المدنيين، هو شعار زائف، وأنه يخفي وراء هذه القيمة الإنسانية أهدافا، واضح جداً أنها تتعلق بالمصالح؟
لماذا لا تتدخل الدول الغربية في حماية الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة، وفي الأراضي المحتلة، بعد مرور ما يقارب 60 عاماً الآن؟ آن الأوان لنحكي عن نظام الحماية، والتدخل الإنساني ـ كما يسمى ـ لكل العرب، أما فيما يتعلق باليمن، اليمن ليست دولة مصنعة لكميات كبيرة من النفظ، ولكنها دولة استراتيجياً مهمة، في جنوب البحر الاحمر. فالفكرة كانت دائماً النيل من مقدرات اليمن، من حيث موقعها السياسي، أكثر من النيل من نفط اليمن المقل في هذه الأيام، ولكن بالمحصول نتحدث عن المملكة العربية السعودية وجوارها. لا بد من نظرة تكاملية بين المملكة العربية السعودية ودول الخليج من جهة، ودول الخلجان الأخرى، وهذه النظرة التكاملية التي مع شديد الأسف، تحتاج إلى استراتيجية. وغياب العرب عن الحديث عن استراتيجية مستقلة، وشراكة على أساس استراتيجي مع العالم، هو ما يؤدي إلى أن المواطن العربي يدفع الثمن اليوم.
س 5- وهذا يا سمو الأمير يقودنا إلى الحديث عن الجامعة العربية، لفت نظر المراقبين أن الجامعة العربية، فجأة تدعو العالم والأمم المتحدة إلى التدخل في ليبيا، بعد أن صمتت دهراً على الكثير من التجاوزات في حقوق الإنسان، وصمتت طبعاً على الانتهاك الكبير لحقوق الفلسطينيين. يعني أنت مفكر ورجل دولة وتعرفون الكثير عن ـ فنقل ـ كواليس السياسة العربية. بماذا تفسرون هذا السلوك المفاجئ، هذه الصحوة المفاجئة للجامعة وقيادتها؟
أقول أن الجامعة، أو الأمم المتحدة، هذه المنظمات الدولية، هي صنيعة مجموعة التأثيرات الخارجية، وأقصد بذلك العربية والأجنبية، ولا توجد ـ مع شديد الأسف، كما رأينا ـ خلفية لمواثيق الدفاع العربي المشتركة، أو الرغبة في حماية المواطن في حالات معينة. لا ننسى أن مصر ذاتها دخلت إلى اليمن، واستخدمت الغازات السامة في الستينات، فنحن العرب لسنا بحاجة لأعداء.
س 6- كان فريق "روسيا اليوم" في ليبيا مؤخراً، ومن ضمن الملاحظات التي تجمعت لدينا، أن طرابلس الرسمية تلح بطلب إرسال بعثة تقصي حقائق، ولكن هذا الطلب لا يستمع إليه، هل تعتقدون أن الطلب هذا، لو جرى التعامل معه بجدية منذ البداية، لما شهدنا تطوراً دراماتيكياً للأوضاع في ليبيا؟
هذا ما قصدته بحروب الضرورة، ذكرت القائمة على خيار، إما خيار أن تسقط بنغازي، أو أن يتم التدخل لحماية بنغازي على سبيل المثال. موضوع طرابلس ـ بطبيعة الحال ـ الحماية تأتي من الحكومة الليبية. ولكن فيما يتعلق بتقصي الحقيقة السياسية والاجتماعية والمؤسسية والحالة الإنسانية بدرجة رئيسية، مشكلة القرارات، كقرارات الأمم المتحدة الخاصة في التدخل الإنساني، أكان في البلقان أو في رواندا، أن التدخل الإنساني ليس مفسراً بأنه لحماية الإنسان، هي مفسرة لغايات الضرورة السياسية المتحركة. وتلاحظ أن هيئة الركن الخاصة في مجلس الامن لم تجتمع منذ نهاية الحرب الكونية الثانية، إلا اجتماعات رمزية، فهذا الشكل من التدخل هو يشكل حقيقة، معضلة أمام القانون الدولي. فأقول إن تقصي الإنسانية، كان الواجب الأساسي، ولا بد من أن يتمخض عن الإجراءات الحالية، إيقاف القتال في مرحلة نرى فيها العبثية، حيث أنها قد تطفو ساحة القتال إلى حرب أهلية.
س 7- يعني هذا الاستعجال في التدخل العسكري، يدفع بعض الباحثين، وخاصة في الفضاء الروسي ـ منهم من يؤمن بنظرية المؤامرة ـ للقول، بأن كل ما جرى ويجري الآن في السوح العربية، هو يتحرك بقوى خارجية، لديها أجندات تختلف تماماً عن مطالب الشارع العربي. هل سموكم يتفق مع تصور من هذا النوع ...أن الأمر مؤامرة؟
لا أستطيع أن اتدخل في القدح المتبادل بين روسيا والغرب، أنظر جمهورية القرج(جورجيا) على سبيل المثال، وموقف الغرب من التدخل الروسي في أبخازيا وأوسيتيا، ولكني أعتقد، نعم، أن السياسة هي سيدة الاستراتيجية، فالمصالح الاستراتيجية هي التي تبلور كيفية تصرف الدول، ومادامت صورة العرب هي، فقط بترول وسلاح، فهذا التدخل مباح، لأن الإنسان مغيب، كأنما الإنسان ليس جزءاً من المعادلة، فنلهث وراء القرارات، ونقول ابحثوا عن تقصي الحقيقة، ونحن الظلام الأساسيون لشعوبنا.
س 8- بلا شك أن هذه الفورة، الانتفاضات، الحركات الجماهيرية، يعني ستجد في نهاية المطاف نهاية لها، ما هي خارطة العالم العربي التي يتصورها سموكم؟
الخيار واضح، إما عالم عربي، وبعد إسلامي تركي وإيراني إسلامي عجمي. طبعاُ كما ذكرت الفتن تشتم على سني شيعي، وأقول أن الشيعة جلهم في منطقتنا العربية عرب. فأقول كما ذكرت، الإمام علي بن أبي طالب عربي وليس أعجمياً، فآن الأوان أن نستعيد الحوار بين مذاهب أهل السنة والجماعة في مكة المشرفة، وبينهم وبين الزيدية، والجعفرية، والإباضية. لا نستطيع حقيقة أن نقول، بأن فرقاً ترفض الحوار والشورى، هي ذات أهلية في أن تمثل العالم الإسلامي. فأقول أن الإسلام في خطر، كدين، كمعتقد، كسلوك. وأقول أن العروبة في خطر، بسبب الغياب المؤسسي الراهن في الجامعة العربية، في المؤتمر الإسلامي، في منظمات الأمم المتحدة لا يوجد حضور عربي. فأقول إما تعظيم القواسم المشتركة الإقليمية، وتقديم صورة غرب آسيا وشمال أفريقيا بقلبها العربي، أو القبول في التشظي والبلقنة واللبننة والصوملة لهذا الإقليم، نحن لسنا بحاجة للغرب في أن يدرسونا في كيفية الوصول إلى الحرية المسؤولة، نحن مسؤولون عن مستقبلنا، ولكن أرجو أن القضايا الامنية ستجد حلاً، كما وجدت حلولاً بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي، وزميلي ألكسي أرباتوف ـ على سبيل المثال ـ عضو في لجنة المبادرة النووية الدولية، أفلحنا في أوكرانيا، أفلحنا في كازاخستان، لماذا لا نفلح في الملف الإيراني، أين موسكو من الدعوة الكريمة للمؤتمر الدولي الذي يجب أن يعقد، لماذا لا يعقد في موسكو على سبيل المثال.. نحن بحاجة لفترة تروي.
س 9- يعني، هذا ما أردت أن أبحثه معكم سمو الامير، لماذا لا يعقد مؤتمر السلام الذي دعت له موسكو؟ هل تعتقدون بأن هذا هو بسبب خمول روسي، أم رفض عربي يعتقد بأن أوراق الحل بيد الولايات المتحدة؟
المسألة لا تحتمل التكتيك الآن. أكان ترددا روسيا أو عربيا، أعتقد أن المنطقة بحاجة لبحث كلي، في إطار لقاء يحضر رؤياً تحضيراً جيداً، لأننا لا ندخل في التفاوض مباشرة، ولكن لابد من رؤيا بين شرق آسيا وجنوب آسيا، الهند وباكستان، والاقتراب من إيران وتركيا. واضح جداً أن هناك منطقة زلزالية سياسية، ممر على الفولغا يمر بطبيعة الحال في القفقاس، ويتأثر ويؤثر في الساحة النفطية في آسيا الوسطى وجمهورياتها، كما يؤثر ويتأثر فيما يجري في المياه الدافئة. فآن الأوان حقيقة، أن نجد صورة، ربما لحماية النفط، اهليلج النفط. قد يستطيع الإنسان أن يتصور، كالقطب الشمالي، في أن يصبح هيئة دولية فوق قطرية، لحماية المياه والطاقة للعالم، ليس فقط للاقليم. ومع ذلك التركيز على الاستقرار للشعوب المجاورة للنفط، لأن الشعوب المجاورة، هي التي تجعل عدم الاستقرار.
س 10- استطراداً على الدوائر الروسية، يعتقدون ـ أعني الدوائر الروسية غير الرسمية ـ أن ما يجري الآن هو محاولة لإفقاد النفط والغاز الروسي أهميته السياسية، إذا جرى تنفيذ مشروع نابوكو الذي سيربط نفوط الشرق الأوسط مباشرة بأوروبا، فإن نفط روسيا وغازها سيصبح منخفض الثمن، ولا تعود أوروبا بحاجة له. أنتم قراء جيدون للخارطة الجيوسياسية في المنطقة وفي العالم، وتتحدثون دائماً عن الفضاءات وعن خطوط التشابك بين الحضارات والدول، وتنظرون باعتبارها ـ يعني ـ هي المحرك لكل ما يجري في المنطقة، هل تعتقدون فعلاً أن ثمة من يسعى لعزل روسيا، ومن ثم تحييد الصين، أو على الأقل ـ يعني ـ جعلها قوة غير مؤثرة في الحياة؟
أقول أكثر من ذلك، أقول أن على روسيا أن تكسر هذه العزلة في التواصل مع الدول والأقاليم التي لها علاقة تاريخية وجدانية معها، وأقول أن مايتعلق بالمسيحية في الشرق، على سبيل المثال الكنيسة الأرثوذكسية الروسية واليونانية، هناك تواصل طبيعي، ولكن يبدو لي في الوقت الحاضر، أن الصلة الروسية مع إسرائيل، والصلة الروسية مع كل من إسرائيل والدول العربية قوية، ولكن يجب أن لا ترجح كفة الصلة الثنائية مع إسرائيل، على علاقاتها مع الدول العربية، التي من المرجح، في ظروف سلمية، أن تصبح إسرائيل مسالمة معنا. ولكن، لا أستطيع أن أقبل أن إسرائيل التوسعية، تلقى ذات الدعم من أعضاء مجلس الامن، على وجه الخصوص، الاتحاد الروسي في هذه الأيام ، ومن صدرتهم روسياً إلى منطقتنا، ومنهم على سبيل المثال السيد شارانسكي، كان يدافع عن حقوق الإنسان، وبمجرد ما أتى إلى الإقليم، تغيرت النظرة، كما تغيرت نظرة إيهود باراك، وغيره من الساسة، الذين يتبنون جميعاً خطا أشبه باليميني، من ما هو خط يدعو إلى السلم على أساس الحوار، ولذلك أعتقد أن مؤتمر موسكو مليء بالفرص.
س 11- معروف أن يهود الاتحاد السوفييتي السابق، ويهود روسيا، هم الذين يشكلون القوة اليمينية الضاربة في المجتمع الإسرائيلي. برأيكم لماذا ينحدر العلماني اليهودي، القادم من دولة عاشت ـ يعني ـ سبعة عقود وأكثر على الإلحاد، نحو منزلق التعصب الديني، غير الموجود أساساً لدى يهود فلسطين الأصليين، اليهود الذين عاشوا في فلسطين؟
أقول بعد تجربتي في دعوة اليهود العرب إلى مؤتمر في جامعة كامبردج، وكذلك الأشكيناز من اليهود الغربيين، من الذين عاشوا أو آباؤهم عاشوا مع العرب دون نفور ودون حرب، وكذلك مع الفلسطينيين، ومنهم مواطنو 48، أقول أن هذا اللقاء كان مبنياً على النوستالجيا الرومانسية، الذكريات الجميلة، واللغة العربية كقاسم مشترك، إنما من يأتي من روسيا، لا يأتي لا مزوداً باللغة العربية، ولا بفهم متواضع عن الإسلام، او حتى المسيحية في الشرق، ويأتي باحثاً عن ظروف مادية تتلاءم مع قدراته، وغالباً ما يكونوا علماء مثقفين، فيفضلون العزلة من وراء الجدار، من الانخراط مع الآخرين الأقل حظاً، فالمسألة طبقية حقيقة في المجتمع الإسرائيلي ذاته.
س 12- هل تعتقدون أن روسيا قادرة على أن تحرك هذه المجموعة السكانية التي تصل لحدود مليوني شخص ناطقين باللغة الروسية، وربما أكثر، حتى يقال أن اللغة الأولى في إسرائيل، هي اللغة الروسية، لأن الكثير من اليهود لا يحسنون التحدث بالعبرية. هل تعتقدون بأن روسيا، هل توجهون نداءاً إلى روسيا، لأن تلعب، تتدخل، من أجل وقف هذا الانحدار نحو اليمين، وتحقيق حقوق الفلسطينيين المشروعة في وطنهم؟
بكل تأكيد، أعتقد أن الحقوق السيادية الروسية في هذا الإقليم، بعد عقود من العلاقة الروسية، وقبلها الاتحاد السوفييتي، مع النضال العربي، وكذلك مع من نادى في يوم من الأيام بعدم الانحياز دهراً، ونحن ننادي في احترام الذات المستقلة للشعوب، على أساس الاستقلال المتكافل، أقول أن هذا الاستقلال المتكافل يحتم علينا جميعاً، وروسيا لها دور كبير جداً في الإقليم إن أرادت أن تعود للتحرك السياسي، أعتقد أن روسيا تستطيع أن تبين بوضوح لهؤلاء، للمليونين الذين نجدهم يحافظون على مكتسباتهم المادية، أكثر مما ينظرون إلى الواقع على مدى 10 سنوات أو 20 عاماً. أقول أن الواقع الديموغرافي ليس في صالح أحد في هذا الإقليم، فالاستقرار أمر لا بد من أن نسعى إليه معاً، فهيئة فوق قطرية للمياه والطاقة على غرار الهيئة الأوروبية للصلب والفحم، لماذا لا تدعم روسيا مثل هذا المنظور، وهو غير سياسي حقيقة، وفوق قطري، لإدارة الموارد لصالح الإنسان وكرامة الأنسان.
سمو الأمير في الحلقة الثانية من هذا البرنامج اسمح لي أن أتحدث عن قضيتين لو سمحتم حول إذا - كما تقولون- لا يوجد حوار بين الحضارات وهذا هو مفهوم خاطئ، هل يوجد إذاً صراع بين الحضارات أم أن هذا أيضاً موضوع خاطئ، والمحور الآخر لو سمحتم نتحدث عن آفاق تطور الوضع في منطقة الشام تحديداً لأنها أيضاً منطقة استراتيجية.
س13 ـ سمو الأمير، يقولون لا يوجد شيء اسمه حوار الحضارات. أيوجد إذاً صراع الحضارات؟ أم أن هذا التعبير والمصطلح أيضاً خاطئ؟
أذكر بأنني قلت أن هنالك حوار الثقافات، ولكن أعتقد أن هنالك صراعا للمصالح، يقنّع أحياناً بالإشارة إلى صراع الحضارات، ولكني أقول أن المصالح في هذا الإقليم من العالم، تأثرت طردياً منذ بداية القرن العشرين، بأن هذه المنطقة جغرافياً وسياسياً متوسطة، ليس فقط للحضارات وميلاد الأديان السماوية، ولكن الأهم من ذلك ـ في لغة النظام العالمي المادي الجديد ـ للنفط والغاز ومشتقاته، إضافة إلى ذلك القدرة الشرائية الهائلة للسلاح، الذي يحرك دولاب الصناعة العسكرية، ومشتقات تلك الصناعة، في الدول الصناعية الكبرى. فكأنما هذه المنطقة هي البقرة الحلوب، وأما مجاملتنا في قضية التحالف من أجل الحضارات، وما إلى ذلك من مبادرات الأمم المتحدة في هذا الصدد، هي فقط مجاملة شكلية. مؤتمرات ومتاحف وعروض وما إلى ذلك، ولكن لايوجد هنالك من يرغب حقيقة في انضمام هذا الإقليم من العالم ـ على خلفية حضارية ـ إلى ركب الحضارة العالمية، إلا من ينادي بقيام نظام إنساني عالمي جديد.
س14 ـ بلاد الشام والهلال الخصيب هي منبع كل الديانات، حركة التاريخ بدأت ومستمرة من هناك، ما هو مستقبل هذه المنطقة في ضوء ما تحدثتم عنه، ليس الآن فقط، وفي مناسبات سابقة عن الأصول والولاء، وهذه منطقة تعج بالقوميات، نعم يوحدها اللسان العربي، وتشترك في الإسلام والمسيحية، لكنها من منابع مختلفة. كيف سيكون الحال فيما لو انطلق هذا القمقم... القوميات والأقليات؟
أقول أن هذا السؤال مرتبط أساساً بالحضارة. فأقول إقامة دولة تتجاوز الحدود المعرفة للبنان وإسرئيل، الدروز على سبيل المثال، أو دولة تتجاوز الحدود الحالية للموارنة، أو دولة للشيعة، أو دولة لأي فئة من هذه الفئات. هذه تبقى حقيقة شماعة، أو فزاعة، لمن يقول بأن مستقبل هذه المنطقة بالضرورة ـ وكأنما هي قابلة للتطوير لا محالة ـ ستكون نهاية الأحلام الوحدوية. بين التعددية والتنوع ـ أي بمعنى آخر "احترام الآخر" ـ هنالك معادلة ثقافية حضارية لا بد من السعي إليها، ولكنني أقول أن العدو الخارجي و إسرائيل بالذات، كانت سبباً في طرد أذكى وأكثر الشعوب تأهيلاً في هذا الإقليم من العالم، وهي شعوب بلاد الشام. فنحن "حمالو الأسية" حقيقة ... يعني لا أعتقد مع احترامي أن الموريتاني والخليجي إلا بعد حرب 67 أدرك عمق وهول ما يجري في هذا الإقليم من العالم وخاصة بعد الحرب الكونية الثانية. فأقول إن استعادة حضارتنا هي من خلال توظيف القدرات العربية الهائلة في الداخل وفي الخارج لإعادة بناء الصرح الحضاري العربي، وهذا ممكن.
س15ـ يعني، هل سنشهد قيام دولة كردية مثلاً في هذه المنطقة؟
السؤال سياسي، ولا أعتقد أن الدولة الكردية تستطيع أن تقوم بالنسبة لجوارها من تركيا وإيران وسوريا وطبعاً موضوع كركوك المستصعب لدى الكرد ولدى العرب. فأقول ـ إذا تجاوزنا السؤال السياسي ـ أن الاستقلال المتكافل ـ الجملة التي وجدتها مناسبة ـ أمر في غاية الأهمية. فجدي الكبير الحسين بن علي،طالب في 1916، بدولة فدرالية عربية، وطالب من؟ طالب وودرو ويلسون صاحب نظرية تقرير المصير للشعوب. لماذا نستطيع أن نتصور أقصى درجات الفدرالية، وضمن دولة عربية واحدة في إطار الإقليم، هذا كان الحلم الأساسي. قيام الدول كما نعلم، هي من مخلفات الاستعمار، بحدودها الحالية أو التقريبية. أما فيما يتعلق بالشق الآخر من سؤالك، بداية كما أسلفت، لا بد من تطوير الفسيفسائية المبنية على ـ كما يقولون فقهاء الشيعة ـ القياس، أن تضع نفسك مكان الآخر، أن تستطيع أن تنظر إلى الأمور من خلال نظرة الآخر. فالدولة العباسية قامت على أساس التنوع والتعدد، وكذلك الدولة الاموية في الاندلس. لماذا لا نستطيع أن نستعيد هذا التنوع الذي يضفي المسيرة، نعظم الجوامع ـ ما يجمع بيننا ـ ونحترم الفروق.
س16ـ وهذا الخطر الذي يلوحون به، يعني خطر الهلال الشيعي. هل هو خطر واقعي قائم؟
أقول أن هناك هلالين حقيقة، هلال في آسيا الوسطى نفطي، وهلال ثاني كذلك، من البحر الأسود إلى مضيق هرمز. فالمسألة ليست هلال شيعي، أو قمر سني، المسألة سياسياً أن هناك منازلة بين حكومات الإقليم، كل حكومة منها، أو كل دولة منها، تحاول أن تضفي شرعية على مشروعها، او على هويتها الخاصة بها. فموضوع السنة لا يقتصر على مذهب من المذاهب الأربعة، فأقول اليوم أنه ربما، الموالك في المغرب، والشوافع في المشرق البعيد، الشرق الأقصى، أقدر على الحديث الموضوعي في الشأن الإسلامي من الذين يواجهون لهيب الخلافات في منطقتنا، وأقول منطقتنا، من بلاد الشام إلى الباكستان والهند.
س17 ـ سمو الأمير، مرة تحدثتم، أنه فيما لو أتيح لكم أن تترسموا منصباً، هذا لا يكون إلا على أساس الانتخاب. هل نفهم من ذلك أنكم ضد الوراثة الملكية؟
أنا أعتقد أن التوريث، كما يستخدم كمصطلح سياسي ـ وبطبيعة الحال لا فرق بين ملكي وجمهوري في هذه الأيام ـ هي ليست ممكنة إلا في إطار الملكية الدستورية، أو الرئاسية الدستورية. ولكن غياب صفة الدستورية عن الدول الناشئة في الإقليم، تلغي فكرة التوريث من أجل التوريث.
س18 ـ أفهم من ذلك أنكم من أشد المتحمسين لمطلب، يطرح في الشارع الأردني الآن، يسمى إعادة الحياة لدستور الملكية الدستورية، الذي يعطي البرلمان حجماً وصلاحيات أكبر من الملك؟
أعتقد أن المسألة ليست أكبر من الملك، ولكن المسألة هي الملك ... في المملكة المغربية والمملكة الهاشمية، وغيرها من دول المنطقة، اعتقد أن النظام الملكي له صفة، إن أراد الملك أن يمارس السلطة المعنوية. فاللبيب من الإشارة يفهم، كما يقولون.
السلطة المعنوية هي، أن يبتعد عن الدخول في تفاصيل الأمور، ولذلك عندما يلقي الملك خطاباً، على سبيل المثال ـ نسميه خطاب العرش ـ في افتتاح البرلمان، لا داعي ـ في نظري ـ أن يدخل في تفاصيل المطالب المحلية. فأقول أن في ابتعاد الملك، وترفعه، هنا يمارس الوزير الأول، أو رئيس الحكومة مسؤولياته تجاه البرلمان، أي ممثلي الشعب.
في أن يكون، هو عملياً، الحامي لمؤسسة العرش. فهنالك تكامل طبيعي، إضافة إلى ذلك، هنالك تكامل ثلاثي، ما بين الدولة الرسمية، مدنية أو عسكرية، ومابين قطاع المال والاعمال والاستثمار بطبيعة الحال، إضافة إلى القطاع المدني. فهذا التكامل الثلاثي، هو التفعيل لفعاليات الدولة. ولكن هنالك خلط باللغة العربية بين، كلمة السلطة وكلمة الحكومة، وكلمة الرئاسة، وما إلى ذلك، وكل ذلك على حساب الصالح العام. فأقول أن القاعدة الشكلية واضحة، المصلحة، مصلحة الجميع، غاية الحكم، وهذا يشتمل على الملك، والأجهزة الثلاثة، بطبيعة الحال، والأذرع الثلاثة الدستورية، التنفيذية والتشريعية والقضائية، كما يشتمل على المجتمع المدني، ووجوب إشراك الناس في تحمل مسؤولياتهم، وهو الأساس في بناء نظام أمني إنساني. على غرار مسار هلسنكي على سبيل المثال، الأمن والاقتصاد والثقافة، هنا التكافل.
س19ـ ألا تخشون أن هذه الاضطرابات ـ كما قلت ـ في بعدها الأمني في المنطقة، ستؤدي إلى نشوء فكرة قيام وطن بديل للفلسطنيين في أرض الأردن؟
إذا أسأنا التصرف، أتصور أن موضوع قيام أوطان بديلة في منطقتنا، وأنظمة بديلة، أمر ليس بالصعب، وأقول بان هذه الظروف تعيشها، ليس فقط الدول العربية، ولكن تعيشها جملة دول في العالم ككل. هنالك أكثر من ثلاثين إلى أربعين ظروف حرب متدنية الوتيرة ـ فلنسمها ـ في العالم، ونحن نتحدث اليوم، فأقول أن الموضوع الفلسطيني، وأذكر بأن الأردن عام 1990، نحن أهل الأردن، كان من المفروض أن نكون مليونين ونصف المليون إنسان لولا حرب 67.
المقتلعين من ظروف ـ بلا دولة على سبيل المثال ـ من المهجرين داخل الدول، من اللاجئين السياسيين، العراقيين بطبيعة الحال والفلسطينيين، هؤلاء يشكلون بالإضافة إلى العمالة الآسيوية والعربية، يشكلون عبئاً، حيث أن الدولة ـ ربما ـ الآن الأردنية هي ما بين سبعة وثمانية ملايين نسمة، المخطط كان مليونين ونصف. فأقول أن لا بقاء لدولة ما، لبنان، أو سوريا، أو الأردن، أو العراق، أو المملكة العربية السعودية، دونما تنسيق في القضايا الأساسية وهي قضايا الطاقة، والمياه، وإدارة القوى البشرية. فأعتقد أن مثل هذا التصور، يعني إسرائيل شرعت في بداية السبعينات، في الشرق الأوسط، وقد أشرت إلى ذلك عام 2000، بحسب رؤيتي، والمعلومات الدقيقة، وقواعد البيانات السليمة، نحن لقينا القواعد السليمة، وضع البيانات والمعرفة... بين من يحتكم إلى المعرفة، نتيجة تقصي الحقيقة الاجتماعية، فالوهن الموجود هو نتيجة لترهل الحاكمية، والقدرة على التواصل، أو الرغبة وطرق التواصل مع الناس، وأعتقد أن هذه البيروقراطية، هي التي أساءت في نهاية المطاف، لأنها جعلت الكوادر الحاكمة غربية في بلدانها.
س20ـ وأخيراً سمو الأمير، هل تعتقدون أن هذا أحد أسباب الاحتقان الحاصل الآن في المملكة؟
بكل تأكيد أعتقد، لأسباب داخل الأردن.. ولكن في كل مكان الناس عملياً بحاجة لمن يستمع إليهم ويتحسس أوجاعهم وآلامهم. وكما يقال، الشكوى لذي مروءة يواسيك، أو يسليك، أو يتوجع. فاليوم لو نظرنا لموضوع البناء، الأنظمة التي تفرض تسعيرة ـ بحسن نية ربما ـ تسعيرة الغذاء، لا تستطيع أن تقتحم مخازن من يدخر هذا الغذاء لسعر أفضل، حقيقة أصبح شريكاً في مستقبل المعادلة الغذائية، للشعوب الموجودة في المنطقة، وأعتقد أن قضية الغذاء وحدها، لو أنصفنا المواطن فيها، وذلك من خلال ترتيب إقليمي، وربما الشراء المشترك للحبوب والغذاء، وهذه من الخطوات المفيدة. إنما الآن مع البذار الجين المعدلة التي لا يستطيع الإنسان أن يطرحها مرة ثانية، الزراعة يقضى عليها. فكيف نستطيع أن ننتقل من مجتمع تقليدي زراعي إلى مجتمع صناعي؟ أين الحوافز للقيام بالصناعات الصغيرة المبدعة؟ بلاد الشام مليئة بالإبداع، وبالقدرات الفنية، وكلها مع الأسف مرشحة للهجرة للغرب، وكأنما هذه الهجرة مبرمجة من غيرنا، وليست منا.
س21ـ هل تشعرون بخيبة أمل، لأنكم كنتم أحد رواد حركة السلام، في منطقة الشرق الأوسط؟ الآن وبعد مرور هذه السنوات، يعني أكثر من عقدين، والسلام الذي تحدثتم عنه، وكتبتم عنه الكثير، وبشرتم به، لم يصل إلى ما كنتم تطمحون إليه؟
أنا لم أكن عراباً للسلام الإقليمي بتفاصيله، لأني ـ الفقير لرحمة الله ـ لست مطلعاً على منظور الدول المختلفة. وكان كما نعلم هنالك دول خاصت التجربة، طبعاً مصر، روسيا، الفلسطينيين، طبعاً الكل يتحدث عن السلام، كذلك السلام العادل فيما يتعلق في لبنان. فعملية السلام كما تسميها، كانت ذات جزئين. الرؤيا المستقبلية بحذر، ونراها بغياب المعلومات والمعرفة الكافية، لا توجد هنالك صناديق للمعرفة في إقليمنا، نتحدث عن ماذا سيحدث في شحة المياه خلال عشرة أعوام، على سبيل المثال، ماذا سيحدث في قضية المقتلعين، كافة المقتلعين، بكل صنوفهم، اللاجئين، والنازحين وما إلى ذلك. لا يوجد من يتكهن في مستقبل الوضع الاقتصادي، والآن نرى مئات المليارات من الصيرفة الإسلامية ـ بين قوسين ـ تودع في بنوك في باريس وفي لندن وفي الولايات المتحدة.
من كان يتصور ذلك؟ في غياب صندوق للزكاة العالمي الإسلامي لإقليمنا. لنأخذ بيد فقرائنا، ونمكنهم من العيش الكريم.فهذه كانت الرؤيا، أن الاستقرار سيؤدي إلى التعامل الطبيعي، وإعزاز حقوق الإنسان. ولكن التفاوض كان مقلاً، لأن كل دولة دخلت ـ بطبيعة الحال ـ لتخلص نفسها من التهديد الواضح والمستمر، من قبل المؤسسة العسكرية، وإسرائيل اليوم تطالب بالمزيد من التسليح، والمزيد من الخطط ـ بطبيعة الحال ـ العسكرية في ذهنها تصل إيران أو غيرها.
س22ـ بيريز أيضاً كان يتخيل شرق أوسط ـ يعني ـ ينعم ويرفل بالسلام، كيف تنظرون الآن إلى أن الرجل ـ رغم كل حديثه العذب عن السلام ـ يعني لا يقوم بأي خطوات الآن باتجاه، إحياء أفكاره على الأقل؟
الرجل واقعي، وصنع سمعته الأساسية، خلال العدوان الثلاثي، سنة 56، وكان أبا للبرنامج النووي، والتسلح النووي الإسرائيلي.. عندما نقارن ـ أتصور ـ وزن جائزة نوبل للسلام، وقيمة التسلح النووي، وخاصة يرى اليوم أن إسرائيل مهددة من جهات خارجية ـ كما يقولون ـ فبطبيعة الحال سيعود للشخصية الأمنية، ويفضل ذلك على الرؤية، لأننا نحن أيضاً، من جانبنا، لم نقم كعرب، بوضع سيناريوهات للمستقبل، خشية من أن نتهم بالتطبيع.
س23ـ وهل يعني هذا التطبيع، يعني، تهمة، سبّة؟
هي سبّة لأن هنالك حركة قوية، حركة لا عنف ـ اللهم ـ لمقاومة التطبيع، ولكنني أقول أن أية أمة لا تستطيع أن تعيش ـ إذا أرادت أن تلعب سياسة، كما يقولون ـ دون طرح رؤيا، بغض النظر عن بيريز، أو عن شخصي، ونحن لسنا ذو أهمية، في الحسبان، ما هو مهم هو مستقبل الأجيال القادمة. أنظر إلى قضية الفقر، وإلى قضية المجاعة العربية، وتذكر أن، من هنا ولعشر سنوات، هنالك مئات الملايين، في سن ما بين 19-25 سنة ينتظرون فرص عمل، ينتظرون لقمة عيش. فالتغير سيكون جذرياً ويؤثر على كافة الصوامع المعزولة عن الواقع.
س24ـ لفت نظري، وكنت في زيارة لبيت أحد الأساتذة الجامعيين، في القدس، وهو يهودي من أصل عراقي، أن بيته حافل بصور بغداد القديمة، وصورة لسموكم في منزله، ولم أجد صورة لزعيم إسرائيلي. هذه المحبة ـ وتحدث عنكم بإعجاب كبير ـ هل لأنكم تمثلون ـ فلنقل ـ النظرة التسامحية القديمة، حين كان يتعايش العرب، يعني المسلمون واليهود في الأحياء والأزقة والزنقات العربية؟
الزنقات العربية … أقول أن ذكريات بغداد، هي ذكريات تجمع بيننا. وأقول أني درست مع أساتذة يهود، أساتذة لغة عربية، في الجامعة في مطلع الستينات. وأقول أنني عندما حزت على جائزة الدولة من جامعة لومونوسوف، كانت هذه من الذكريات التي تبادلتها مع أساتذة في موسكو. فأقول أن هذا التواصل الروحاني هو أساس الحوار الثقافي.
أنا بالمناسبة لا أؤمن بحوار الحضارات، لأني أعتقد أن هنالك حضارة عالمية واحدة متحركة، ومتأثرة ومؤثرة، وهنالك حوار قيم. وأعتقد أن حوار القيم هذا يبنى أساساً على الشغف، وعلى الكلمة. فهؤلاء الأساتذة ـ لا تحضرني الأسماء الآن خلال اللقاء ولكن ... ـ زملائي منذ أن كنا تلاميداً، وعندما دخلنا في فترة حرب الـ67 لم نسئ لأحد بكلمة. كان البرج العاجي الجامعي يجمع بين اليهود والعرب، على الرغم من الألم الشديد. أعتقد أن مثل هذه الموضوعية، ذلك الخلاف الذي لا يذهب للموضوعية قضية، مبني في الأساس في نسيم أجواء بغداد والقاهرة، ومدن الثقافة العربية التي لا بد من أن نعيد حضارتها إليها.
س25ـ على ذكر شوارع بغداد، وشوارع القاهرة، وأزقة وزنقات ليبيا، وكل المغرب والمشرق. ألا تشعرون الآن بأن مشروع تفتيت هذه الدول قد بدأ بالفعل؟
التنبؤ بمثل هذا الأمر والاستباقية، الحديث عن التشرذم، كما كان في السودان ـ على سبيل المثال ـ أو في الصومال، وفي أماكن مختلفة من الساحة العربية، هو ديدني منذ سنوات، وأنا اكتب في هذا المجال. أنظروا إلى أن القومية العربية أصبحت الآن كدافع أساسي للحركة، وأنا قومي من حيث التعريف، وريث معرفي، لحركة نهضوية، لا أستطيع أن أخرج عن هذا التصور، ولكن بالنسبة لغيري، أتصور هناك ملايين، لم يعيشوا إلا الظروف الضيقة، نتيجة ذكرنا لامعرفة، إذا كانت المسألة ليس ما تعرف، ولكن من تعرف؟ المسألة ليست كيف تعمل ضمن الدولة الممأسسة، لكن كيف تستخدم المؤسسات للتسلق، للوصول إلى حقوق غير مشروعة، أتصور أننا عودنا الناس حقيقة على الوصول إلى هذه الحقوق، أو هذه المكتسبات دونما اهتمام بالشرعية والنواميس الناظمة لحياتنا.
فليس من المستغرب أن أحياءً تقوم على بعضها البعض، ضواحي داخل مدينة واحدة، الغني على الفقير، وأغنياء الحظ الجدد على حساب المواطنين الاصليين، فهذا حقيقة جزء من الفوضى العارمة التي قد تؤثر على هذه المنطقة، إن لم نستطع أن نقيم مظلة جديدة من خلال الرؤيا. أين نحن من نهضة 1916؟ أين نحن من الحرية المسؤولة؟ هذا هو السؤال.