قبل أن تحين الساعة
شفيق الدويك
عندما قرر الطبيب أخذ صورة لكتفي بواسطة جهاز الرنين المغناطيسي لتحديد السبب الرئيسي وراء آلام يدي، وُضعت في صندوق أبيض ضيّق طويل يشبه النعش لمدة عشرين دقيقة، قضيتها و أنا أدعو بأدعية لتخفيف المي، و قد مر بخاطري مقالي الإنطباعي التالي و عنوانه: " أكتبي و انشري يا بُنيتي "، الذي كتبته منذ مدة طويلة، و الذي فيما يبدو لم يترك أي أثر يُذكر كثيرين قد عنيتهم فيه، في تلك اللحظات ذات المعاني العميقة العميقة.
أعيش الآن في غرفة إنعاش بيضاء ضيقة، و قد مُنعت زيارتي منذ أكثر من اسبوع، و أشعر بأنني قد دخلت عالم الذلّة، و مغموس في سيق ما بين الموت و الحياة.
تلازمني ممرضة لها عمر أصغر حفيداتي، أجهزة طبية تُبقي المـــــــــرء على قيد الحياة - أقصد تمكنه من أن يتنفس بعض الهواء الإصطناعي -، و مسلّط عليّ ضوء خافت بخيل ، ولا أملك الآن و أنا على السرير سوى روحي، و جلدٌ يغلّف هيكلي العظمي الهش، المتعب و المتكوّم، كالنــتــفة، عند جزء من مساحة حرم مريول صغير خفيف، و نفسي التي أحس أن لها أحشاء تتمزق لتعاقبني بلا رأفة أو رحمة، وتلومني على ما قد قدمت في حياتي الدنيا، التي أيقنت الآن أنها، قد خدعتني بدهاء مفرط ، تُلوّح بيدها في إشارة وداع أبدي منها إلي.
وجباتي، و ما بعد وجباتي، مقتصرة الآن على سائل الانبوب الذي ثُبّت على سقف راحتي ، أما أصابعي التي كانت بإشارة منها، وهي تحمل أفخر أنواع السيجار و مسبحة ثمينة، تقوم دنيا المؤسسة و لا تقعد، فقد توقفت عن الحركة تماما، و كأنه العتاب و القطيعة!
طبعا... لم أعد الآن قادرا على ترقية أو مكافأة أي موظف كنت قد ظلمته و وقف تجميده، و لم أعد قادرا على إجازة أي شيئ جميل أقابل به خالقي، أو الموافقة على أية معاملة أو صفقة نظيفة، أو رد الحقوق كل الحقوق لأصحابها.
بعبارة أخرى طُويت صفحتي الموجودة في كتاب المسؤولين الذين كانوا كبار!
تكمن مأساتي يا بّنيتي في إنني، و رغم ذكائي الذي أوصلني الى أرفع المناصب و الرتب، لم أفكر في أن يتمكن أي شيئ، هو المرض الشديد الآن، من إختطافي فجأة و إيداعي عند هذه المحطة الأخيرة التي لا ترحم أحدا مثلي.
لي أمنية واحدة يا بُنيتي: أن أستطيع أن أسجد سجدة واحدة مثلكم لكن طويلة و أستغفر ربي ثم اقضي .
يا ليتني كنت المتسول الذي نهرته أكثر من مرة عند شباك سيارتي ، يا ليت !!!
shafiqtdweik@yahoo.com