ظاهرة استنساخ نماذج التغيير !!!
03 جمادى الأول 1432
الحراك الشعبي في أي مجتمع هو ظاهرة صحية ايجابية تعبر عن وعي سياسي وثقافة اجتماعية ورؤية مستقبلية طموحة ، ونظرة تشاركية متقدمة للمساهمة في صنع القرار وصنع مستقبل الاوطان والاجيال ، وهو بالمجمل ، باروميتر يؤشر على قصور الحكومات في معالجة قضايا حساسة تتعلق بالهم الوطني وحياة شرائح واسعة من المواطنين .
حراك الشارع – أي شارع – لا يأتي بكبسة زر ، ولا يأتي بين ليلة وضحاها ، انه ردات فعل معبرة عن نتاج تراكمي لمتغيرات سلبية مؤثرة بحياتة اليومية ، أوصلته الى نقطة الاحتقان ثم الى التفريغ . وما دام الامر كذلك ، وما دام الحراك لا يأتي بلمح البصر كالقضاء المستعجل ! فما الذي يمنع الحكومات وأصحاب القرار من اتخاذ خطوات استباقية مدروسة تخفف من وطأة هذا الحراك وتجعله في الحدود الدنيا من التأثير ، لا بل وتجعله في سياق خطوات الاصلاح التي تنوي تطبيقها والعمل بها .
رياح التغيير التي هبت على المنطقة العربية والتي بدأت في تونس وأمتد أثرها الى مصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين – والحبل على الجرار - ، كان متوقعا أن تمر في الاردن ، لكننا كنا نتوقع ونتمنى ، ان يكون مرورها امنا وأن لا تخلف جرحا يصعب علاجة أو تكون عواقبها كارثية على مستوى الوطن – لا سمح الله - ، لكن يبدوأننا فقدنا الاتزان في أول اختبار ، وكأن لدينا توجها – مع سبق الاصرار - على عدم الاتعاظ من تجارب الاخرين والاستفادة مما مروا فيه من تجارب ! وبدا واضحا أننا نفتقر الى رجال في " ادارة الازمات " على المستوى الرسمي ، وأن كل ما يقوم فيه بعض الرسميين لا يعدو عن كونه " ادارة الفزعات " لا أكثر .
لا أدري ، وليس لدي تفسير واحد - لحد الان - لماذا كانت هناك لجنة " للحوار الوطني " ما دام هناك مجلس نواب قائم ويمارس صلاحياته في التشريع والرقابة والمحاسبة ! وكيف يمكن أن يقبل مجلس النواب من حيث المبدأ تشكيل مثل هذه اللجنة وهو موجود أصلا ! اذا كان الجواب الوحيد واليتيم الذي يمكن تمريره ، سيكون " لمشاركة ممثلي التيارات الاسلامية وخصوصا جبهة العمل الاسلامي " في لجنة الحوار ، فهذا اعتراف واضح وصريح بحجم حزب جبهة العمل الاسلامي في الشارع الاردني ودورها في قيادة وتوجية المعارضه الاردنية ! واذا كان الامر كذلك ، فلماذا لم نسعى قبل الانتخابات الاخيرة لجسر الهوة والالتقاء مع كل التيارات السياسية في منتصف الطريق لاخراج مجلس نواب ممثل لكل شرائح المجتمع الاردني ! واذا رفض حزب الجبهة المشاركة في الانتخابات الاخيرة – وهذا ما حصل – فلماذا العودة الى سياسة الاسترضاء الان عبر لجنة الحوار الوطني والتي رفض الحزب المشاركة بها أيضا !
الكل يريد الاصلاح ، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي ،فنحن في أمس الحاجة اليه ، والكل مقتنع بأن " مؤسسة الفساد " في الاردن ، قد تضخمت بشكل لافت ولا يمكن السكوت عليها ، والكل ينتظر أن نرى نماذجا لمحاسبة رؤوس كبيرة لتتدحرج على ميزان العدالة والانصاف ، لا على مقصلة الشخصنة والانتقام وتصفية الحسابات ، الكل مؤمن أن هذا الوطن هو مقر وليس ممر ، وأننا بدون الاردن سنصبح بدون هوية ، لكننا في نفس الوقت ، نتمى أن لا يصل البعض الى مستوى احتكار الحقيقة لوحده ، والى مستوى ادعاء الولاء والانتماء وحب الوطن من منظوره الخاص ، فكلنا أبناء هذا الوطن ، ولا فضل لاردني على أردني الا بما يقدم من جهد وعرق وتضحية لرفعة شأنه واعلاء كلمته ، من هنا ، أقول ، ان استنساخ نماذج الاخرين للوصول الى التغيير المطلوب ، ليس صوابا بالضرورة ، فالاردن أرضا وشعبا وقيادة له خصوصية مختلفة عن الدول الاخرى ، فما نجح في تونس لا يمكن اسقاطه على عمان ، وما كان كان مقبولا في القاهرة يمكن ألا يكون مقبولا في عمان ، فدوار الداخلية ليس ميدان التحرير ، وصنعاء وتعز وعدن وأبين ليست عمان والسلط واربد والكرك !
لنكن واضحين في توجهاتنا ، ولنسرع الخطى نحو تطبيق الرؤى الملكية في التغيير والاصلاح ، ولنبتعد عن تبادل الاتهامات وتخوين بعضنا بعضا ، فرسالة جلالة الملك الاخيرة لدولة رئيس الوزراء كانت أكثر من واضحة ، فالوقت من ذهب ، وأي تاخير له عواقب غير محمودة العواقب ، وكلام الدبلوماسية القائم على لغة " اللعم " قد استنفذ ولم يعد يجدي ، واذا ما كان هناك كلاما ينبغي أن نقوله ونوصله الى أصحاب القرار وولي الأمر، فلا نختزل طريقة ايصاله بـ " قناة الجزيرة" وقناة " العربية " ! ولتكن مطالبنا في الاصلاح والتغيير ضمن المعقول والمقبول وامكانات الدولة الاردنية وبالتدريج الممكن ، فنحن لسنا دولة نفطية ولسنا دولة صناعية ولسنا دولة نووية ، وما تحقق لحد الان على مستوى الوطن من انجازات لا يمكن انكارها أو تجاوزها أوالقفز فوقها ،وهناك فرق واضح بين المطالبة بالاصلاح وبين تطبيق سياسية " لي الذراع "!!! والاستثمار غير البريء للظروف السائدة .
حمى الله الاردن ، أرضا وشعبا وقيادة ، وأدام علينا نعمة الامن والامان ، وأبعد عنا شبح الفتنة ما ظهر منها وما بطن ، انه سميع قريب مجيب الدعاء .