أخبار البلد- يحيى شقير
كلما حقق الأردن إنجازًا بمجال الحريات العامة والصحافية يتم تفريغ هذه الشحنة الإيجابية بشحنة سلبية تعيد الأردن إلى الوراء على طريقة كتاب لينين "خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الخلف".
وتنص الاستراتيجية الإعلامية (للأعوام 2011-2015) على أن من أهدافها: "إنهاء العقوبات السالبة للحرية في الجرائم المرتكبة بواسطة المطبوعات وجرائم الرأي، وإيجاد نصوص واضحة وصريحة بمنع التوقيف والحبس في قضايا المطبوعات والنشر، وإلغاء المصطلحات الملتبسة الواردة في التشريعات التي تحتمل أكثر من تأويل أو تفسير". انتهى الاقتباس
وكما يقال فإن ما يُكتب شيء وما يتم تطبيقه على الأرض شيء آخر. فبعد أن كان يتم محاكمة الصحافيين أمام قاضيهم الطبيعي بتنا نرى زيادة حالات توقيف الصحافيين ومحاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة، بتهم "تعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية".
وآخر من جرى توقيفه الزميل غازي المرايات وجهاد المحيسن، وقبله جرى توقيف الزملاء هاشم الخالدي وسيف عبيدات وأمجد معلا ونضال فراعنه. ولا ننسى بالطبع زكي بني ارشيد الذي يقضي عقوبة الحبس بتهمة "تعكير صفو العلاقات مع (الإمارات)".
وقانونيا توجد في الأردن مادتان قانونيتان حول "تعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية وتعريض الأردنيين لخطر أعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم" وهما المادة 118 من قانون العقوبات (اختصاصم محكمة الجنايات) والمادة 3 من قانون منع الإرهاب (اختصاص محكمة أمن الدولة).
وكان قد نشر بعدد الجريدة الرسمية 5239 بتاريخ 1/6/2014 قانون رقم 18 لسنة 2014 قانون معدل لقانون منع الإرهاب رقم 55 لسنة 2006 ويقرأ معه، والقانون رقم 19 لسنة 2014 المعدل لقانون محكمة أمن الدولة.
وتعتبر الفقرة (ب) في المادة الثالثة من قانون منع الإرهاب أعمالا إرهابية :"القيام بأعمال من شأنها تعريض المملكة لخطر أعمال عدائية او تعكر صلاتها بدولة أجنبية أو تعرض الاردنيين لخطر أعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم".
وكذلك الفقرة هـ :"استخدام نظام المعلومات أو الشبكة المعلوماتية أو أي وسيلة نشر أو إعلام أو إنشاء موقع إلكتروني لتسهيل القيام بأعمال إرهابية أو دعم لجماعة أو تنظيم أو جمعية تقوم بأعمال إرهابية أو الترويج لأفكارها، أو تمويلها، أو القيام بأي عمل من شأنه تعريض الأردنيين أو ممتلكاتهم لخطر أعمال عدائية أو اتنقامية تقع عليهم".
ويعاقَب مخالف الفقرتين السابقتين بالأشغال الشاقة المؤقتة.
كما نشر في نفس عدد الجريدة الرسمية القانون رقم 19 لسنة 2014 المعدل لقانون محكمة أمن الدولة، حيث نص أن محكمة أمن الدولة هي المختصة بمحاكمة مخالفي المواد 110-117 (جرائم الخيانة) والمواد 147-149 (جرائم الإرهاب) من قانون العقوبات، وجرائم الإرهاب الواردة في قانون منع الإرهاب.
ويبدو واضحا من التعديل أن محكمة أمن الدولة غير مختصة في النظر بمخالفة 118 من قانون العقوبات، لكن لاحظ أنه تم نسخ نص المادة 118 من قانون العقوبات ووضعها في الفقرة (ب) في المادة الثالثة من قانون منع الإرهاب في عملية تحايل قانونية.
أضف إلى ذلك أنه ستكون هناك انتقائية عند النيابة العامة بتحويل شخص إلى محكمة الجنايات (حين الإحالة بمخالفة المادة 118 عقوبات) أو إلى محكمة أمن الدولة حين الإحالة بمخالفة الفقرة (ب) في المادة الثالثة من قانون منع الإرهاب.
وللتسهيل تنص المادة 118: يعاقب بالاعتقال المؤقت مدة لا تقل عن خمس سنوات:
من أقدم على أعمال أو كتابات أو خطب لم تجزها الحكومة من شأنها أن تعرض المملكة لخطر اعمال عدائية أو تعكر صلاتها بدولة اجنبية أو تعرض الاردنيين لأعمال ثأرية تقع عليهم أو على اموالهم.
ومن أشهر من تمت محاكمتهم والحكم عليهم لمخالفتهم المادة 118 كل من النائبين الأسبقين د. محمد ابو فارس وعلي ابو سكر بقصة التعزية بوفاة ابو مصعب الزرقاوي، التي على أساسها تم اعتبار عضويتهما بمجلس النواب ساقطة (حوكما أمام محكمة أمن الدولة)، كما سبق تمت تبرئة كل من د. موفق محادين ود. سفيان التل على خلفية ظهورهما ببرنامج تلفزيوني (حوكما أمام محكمة الجنايات نظرا لارتكاب الجرم بوسيلة إعلامية مرئية ومسموعة).
وهكذا أصبحت عبارة "تعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية" مصيدة الصحافيين في الأردن.