لم يكن فشل المعالجة الحربية لأحداث مدينة معان متوقعا وحسب ،بل طبيعيا ومنتظرا أيضا ، وذلك بسبب افتقار مسئولي الأمن( اللذين كانوا ) للحد الادني من الخبرة والمعرفة الأمنية في التعامل مع الأحداث الجرمية ، فالمقالين الثلاثة وصلوا الى وزارة الداخلية وقيادة الأمن العام والدرك، وحديثي العهد بالوظيفة الجنائية ،وكانوا حتى إقالتهم لا زالوا في طور التعلم إن جاز التعبير ، وفي المرحلة الابتدائية من العلوم الجنائية ، ويجهلون ألف باء قواعد وأصول المراقبة وجمع الاستدلالات والتفتيش والتحقيق الجنائي والملاحقة والضبط والقبض .
.ولحين لحظة تورطهم في معان كانوا لا يدركون معنى تلك المصطلحات ومفاهيمها ،ناهيك عن تطبيقاتها الميدانية الخطرة والمعقدة ،.فبعد عام كامل من توليه منصبه ، سمعت احد مدراء الأمن العام السابقين يقول في احد الاجتماعات (الان بدأت افهم عمل الجهاز ) ، ولا أظنه ، وكذلك المقاتلين الثلاثة ومن قبلهم قد فهموا أصول العمل على الإطلاق، وارتكبوا ما لا يعد من الأخطاء والهفوات ،وكنت حينها مديرا للعديد من وحدات الأمن العام ،.وبكل أسف فقد كانت اجتهاداتهم مدمرة في اغلب الأحيان، وتعيد الجهاز إلى الخلف ، وتسيء للعلاقة بين رجل الأمن والمواطن ، وتضعف الروح المعنوية للمرتبات ، والمخجل أيضا انهم كانوا محرجين ، وهم يترأسون اجتماعات ، ويحاضرونهم ويلقون إليهم الأوامر والتعليمات .
ربما يكون القادة الثلاث على درجة عالية من القدرة الكفاءة في قيادة وإدارة الوحدات العسكرية ، لكنهم ليسوا أصحاب اختصاص شرطي ، ولا يعرفون أسرار المهنة أو يجيدون فنونها ، واتخذ بعضهم منفردبن قرارات أمنية خطرة أدت إلى مقتل مواطنين ورجال امن اعتمادا على خبراتهم المتواضعة ، ولا زالت وستبقى تعلق في أذهاننا حوادث الكمالية والرصيفة ومعان التي أرسلوا لها قوات مدججة ، وقد قال احد ضباط الشرطة بعد فشل أحداها لو تركوها لرجال البحث الجنائي لنفذوا الواجب والقوا القبض غلى المطلوبين بهدوء وصمت ودون إصابات .
الخلاصة أن المقاتلين الثلاثة تاهوا في مجاهل الجريمة وظلماتها (والي مو كاره يا ناره ) ، ولقد كانت تلك حدود معرفتهم ومبلغ علمهم بوظيفتهم ، وكانوا يديرون الملف الجنائي على قاعدة التجربة والخطأ إلى ان سقطوا في معان هذا السقوط المروع وفي ظرف حرج ، والذنب أولا وأخيرا ذنبهم ، فما كان ينبغي لهم قبول مناصبهم ، وكان عليهم الاعتذار (وإعطاء الخبز لخبازته).
وأخيرا احذر دولة رئيس الوزراء من مغبة تكرار الخطأ ، وقد أوكل إليه جلالة القائد الأعلى مهمة التنسيب لاختيار قادة جدد ، فهذه شهادتي وخلاصة خبرتي في العمل الأمني لأكثر من ثلاثين عاما ، وقد كنت لسنوات قليلة خلت احد كبار الضباط ، لكن الآن لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي ما قبلت أي منصب جديد ، فلديّ أعمالي ومصالحي الخاصة ما يحول دون ذلك ، وجهاز الأمن العام مليء بالكفاءات القيادية المؤهلة لتولي المناصب الشاغرة من عاملين ومتقاعدين .