تساؤلات كثيرة، محملة بالاجتهادات، جرت على ألسنة الكثيرين، منا، حول أسباب ومغازي زيارة نائب رئيس وزرائنا وزير الخارجية ناصر جوده لطهران، وتوقيت تلك الزيارة؟ ما الذي كان في جعبة الزائر؟
لا بد أننا نعرف، جميعا، أن ثمة تقليدا هاشميا مباركا بضرورة إدامة العلاقات الأردنية مع كل دول العالم: الحليف منها، وحتى غير الحليف، في جهد مبدئي راسخ، للبحث عن المصالح المشتركة، أو حتى لخلقها، علها تكون منطلقا ممكنا نحو تسوية أي خلافات، لو ظهرت، مع أي منها، بما يخدم أمن الجميع وسلامتهم. وإيران واحدة من هذه الدول.
لم تنقطع الاتصالات بين قيادتي البلدين، وعلى أعلا المستويات. نذكر هنا لقاء جلالة الملك مع أحمدي نجاد في الأمم المتحدة، سنة 2008؛ وزيارة جواد طريف لعمان بداية سنة 2014، ومباحثات متقطعة حول أشكال من التعاون، بين البلدين.
زيارة ناصر جودة، لطهران، في هذه المرحلة الخطرة من تاريخ المنطقة، جهد في السياق ذاته. فإيران ليست دولة إقليمية كبيرة وحسب، بل صارت، وبسبب تطورات مأساوية كثيرة، دولة مجاورة، جغرافيا، لنا، تقف، بثقل عسكري وسياسي، على حدودنا الشمالية والشرقية، مباشرة، وبدور خطير معلن في تشكيل الأحداث وإدامتها.
وقد حمل، في زيارته، رسالة ملكية للقيادة الإيرانية؛ وهو الذي يرأس اجتماعات الدورة العادية ألـ 143 لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري التي تستضيفها القاهرة، هذه الأيام، وقبل ثلاثة أسابيع من انعقاد مؤتمر القمة العربي في شرم الشيخ.
ولن يغيب عن بال القيادة الإيرانية، بالتأكيد، أن لقاءات عربية وإسلامية ثنائية على مستوى القمة كانت قد عقدت في عمان، والقاهرة والرياض والدوحة؛ وأن بعضا من أهم ما دار من أحاديث فيها، كان حول تشكيل قوة عسكرية عربية يكون بعض مهماتها ضمان أمن الدول العربية المجاورة لمناطق الفوضى في سورية والعراق واليمن وسيناء وليبيا؛ ثم العمل العربي المشترك لمحاولة تخليص الدول الخمس المبتلاة بالفوضى، من أزماتها والعودة بها لوضع تستطيع أن تسترد، فيه، بعض عافيتها لاستئناف مسيرتها في جو آمن ومستقر.
ليس خافيا على أحد أن إيران تقوم بدور، يكاد يكون إمبراطوريا، في كل هذه الدول. فقد أصبحت قوات طهران العسكرية، أو التابعة لها والمؤتمرة بأمرها، تتصرف كقوة محتلة في كل من سورية والعراق؛ كما تتدخل في اليمن تدخلا يكاد يكون مباشرا؛ وتساعد على تأزيم الأوضاع في سيناء في مصر. وهو دور لم يعد سرا بل يمارس بكل تصميم على إدامته. فقائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني الذي يدير المعركة على الأرض بكل القوات تحت إمرته، إيرانية عسكرية أو شيعية إيرانية أو غير إيرانية، أخذ يصدر أوامره، متجاوزا، دائما، أصحاب القرار في البلد الذي يقرر التدخل بشؤونه، كما كان الحال في العراق مؤخرا.
وهي تطورات تنذر بخطر كبير في أن سورية ولبنان وربما اليمن ستكون، بعد هزيمة داعش- وستنهزم هذه قريبا؛ ساحات صراع طائفي بين مكونات الشعب الواحد في البلد الواحد بما يكفي لتمزيقه وفكفكته وإخراجه من الساحة السياسية بالكامل. وهو صراع مبني على الحقد الذي تزرعه هذه الصراعات وتغذيه، ما سيجعل السيطرة عليه أكثر صعوبة مما عهدته المنطقة حتى اليوم. ومن المعروف أنه صراع يصنعه، على الأرض، مقاتلون مستحكمون في خنادق لا يرون منها سوى ما يستطيعون الرد عليه بالنار وبالقتل، وإدامته، كقاسم سليماني وغيره من أمثاله، الذين هم، كبنادقهم، ليسوا أكثر من أدوات يوضعون في المعركة لكسبها أو استخدامها في المفاوضات اللاحقة.
هؤلاء لا بد من سحبهم من الساحة. ومن المنطقي الافتراض ان ناصر جوده كان سيطلب توضيحا من إيران، حول موقفها من كل ذلك؛ وهو التوضيح الذي لا بد من أن يطلع عليه الجميع من قادة الدول المهددة به، ويوافقوا عليه. فنحن نمر، جميعا، في خانوق ضيق تضطرنا حاجتنا لعبوره بسلام أن نترك إسرائيل ترتب أمورها لنفسها، في المنطقة، لتواجهنا كلنا بنتائج تلك الترتيبات، أولا؛ ثم، ثانيا، بخلافاتنا وتضارب مصالحنا المتفاقم، كنتيجة محتومة لاستمرار حالة هذا الصراع. فهل سيكون دوام هذه الحالة من مصلحة إيران؟ أو الدول العربية والإسلامية في المنطقة؟
لقد دعا ناصر جوده القيادة الإيرانية، كما جاء في الأخبار، للحديث مع نظرائها من قادة الدول العربية، في الجامعة العربية؛ وهي الدول التي تتحدث عن ضرورة القيام بعمل عربي مشترك لتحصين نفسها ضد تداعيات الصراع. فثمة مصلحة مشتركة عربية وإسلامية في المنطقة كلها لتهدئة الوضع لمصلحة شعوب هذه الدول وفرصها في صناعة مستقبلها. ربما يرى الأردن ضرورة أن تكون إيران واحدة منها.