عدم تدخل الحكومة بمسألة الانقسام هو موقف سلبي تجاه ازمة تولد استقطابات وحالة تفكك وصراع ، البلد في غنى عنها في هذه الظروف .
المقدمة الثانية : مسألة الانقسام يجري الحديث عنها منذ سنوات وقد ظهرت جلية بظهور( جماعة زمزم ) الى العلن لكنها ارتبطت دائماً بتكهنات او معلومات بان الانقسام يتمحور حول ( اردني ، فلسطيني ) والارتباط بحماس او عدمه ، ولهذا تحتاج الجماعة المرخصة على وجه التحديد الى بذل جهد استثنائي لتفادي انتشار هذا الانطباع بين صفوف الراي العام ، وفي كل الاحوال فان هذا الانقسام يخلق في الوعي الاردني والعربي اضافة اخرى من الانقسامات التي ( تزدهر ) اليوم بين الشعوب العربية على أسس الهوية والمذهب الى آخره ، والحقيقة ان على الطرفين الاخوانيين ان ينتبهوا الى أهمية ( رص الصفوف ) وتوطيد وترسيخ الوحدة الوطنية التي هي الحصن الحصين امام انتشار الوباء الانقسامي من حولنا . ولهذا اعتقد ان من المهم تكرار التوضيح بالقول والعمل بان ما حدث ليس انقساما طولياعلى الهوية والاصول والفصول .
المقدمة الثالثة : الخطوة الاخوانية تضر بمسألة ترسيخ التيار الاسلامي المعتدل على الساحتين السياسية والشعبية وهو تيار يحتاجه الاردن والعالم العربي وسط كوارث العنف والتطرف باسم الدين ، فتاريخ الاخوان هو الاعتدال والتحالف مع النظام عبر عقود طويلة ، واذا كان النظام قد حل مشكلة معارضتهم لاتفاقية وادي عربة باحتوائهم في اطار المعارضة البرلمانية والحزبية المشروعة ، فان سنوات الربيع العربي منذ ٢٠١١ اثبتت بان نزولهم المتكرر الى المسيرات في الشوارع لم يُغرهم بالجنوح الى العنف ، ولم يقدموا على اي خطوات عنف مؤثرة تسئ الى امن واستقرار البلد ، وبالتالي اذا كانوا قد أخطأوا في حساباتهم السياسية ( مثل عدم مشاركتهم بالانتخابات الاخيرة ) فالمردود السلبي لهذه الأخطاء ارتد عليهم فهم الخاسرون .
بعد هذه المقدمات سأتوقف عند كل واحدة منها بمزيد من الرأي والتفصيل : عن الاولى أقول ان عدم تدخل الحكومة بمسألة الانقسام هو موقف سلبي تجاه ازمة تولد استقطابات وحالة تفكك وصراع ، البلد في غنى عنها في هذه الظروف ، خاصة مع ظهور جماعتين تحملان نفس الصفة . وقد فسر عدم التدخل عند كثيرين بانه تشجيع للجماعة الجديدة ، وكان يفترض ان تحاول الحكومة رأب الصدع الاخواني .
وحول المقدمة الثانية أذكر بعض ما دار بيني وبين الشيخ عبد المجيد الذنيبات ( وليسمح لي ) وكان ذلك في منزله عام ١٩٩٧. كانت البلاد على وشك انتخابات عامة و قد قرر الاخوان مقاطعتها فذهبت الى لقاءه بصفته مراقبا عاما لأحثه على المشاركة وعدم المقاطعة ( وقد قمت بمثل هذه المحاولة مع قيادات اخوانية في كل مرة قاطعوا فيها وخاصة الانتخابات الاخيرة ) . لقد اظهر الشيخ الذنيبات في ذلك اللقاء أسفه لمواقف الحكومة تجاه الاخوان متحدثا بإسهاب عن دورهم في خدمة الوطن وحرصهم على النظام ، ولن أنسى ما قاله بان جماعة الاخوان تخدم الأهداف الوطنية العليا ، لانها تضم تيارا واسعا من الاردنيين والفلسطينيين ( وفق الأصول ) بما يرسخ الوحدة الوطنية ، وزاد ، بان ذلك يخدم اعادة الوحدة بين الضفة الغربية والشرقية في المستقبل وعلى قواعد شعبية متينة ( بهذا المعنى وهنا لا اقتبس كلامه حرفيا) . وانا اليوم لا زلت على قناعة بان الشيخ الذنيبات ابعد ما يكون عن النَفس الإقليمي .
واضيف على المقدمة الثالثة باني لا اعتقد ان ما حدث يخدم الاعتدال والتغيير في الحركة الاسلامية ، فتاريخ الاخوان خاصة في مصر والأردن يقول بان الخروج من الجماعة كان دائماً يتم من قبل المتطرفين والجهاديين وأهل العنف الذين لا يعجبهم اعتدال الجماعة ، او هم استاؤا من خضوعها دائماً للسلطات بتجنب المواجهة ومن قدرتها على الانحناء اوالوقوف امام تناوب سياسة العصى والجزرة ، والمثال سيرة اخوان مصر مع نظام مبارك .
لقد نجح النظام الاردني منذ وقت مبكر على احتواء التيار الاسلامي ودفعه للمشاركة في الحياة السياسية وهو بذلك يملك رصيدا كبيرا من النجاح في التعامل مع هذا التيار فيما فشلت انظمة عربية في ذلك فحصدت وابلا من وباء التطرف والعنف وكانت الشعوب ستتجنب كثيرا من هذا العنف والتطرف الذي لوث الربيع العربي لو ان الانظمة احتوت التيارات الاسلامية من قبل ولم تعمل على إقصائها ، وشجعتها على الانخراط في الحياة السياسية .( الانقسام الاخواني الحالي استثناء لانه يمثل أقصى الاعتدال ) لكن حل الجماعة الأصلية ، ان حدث ، قد يشكل هدية لقوى الارهاب والتطرف المتربصة .
يجب ان لا ننجر كدولة ونظام ، وسياسيون ونخب ، الى ما هو قائم من تصنيفات في بعض الدول العربية بادراج كل ما هو سياسي إسلامي تحت قائمة العنف والارهاب ، فاذا كانت جماعات الاخوان ، والسلفيون ، وحماس ، والإصلاح اليمنية ، والنهضة تُصنف كلها بانها ارهابية مثل داعش والقاعدة والنصرة ، وفق ما هو مطروح من مقاييس في اطار موجة الحملة على الارهاب ، فإلى اين تذهب هذه الفئات الواسعة من الشباب المنتمية إليها والمنضوية تحتها؟ والى اين يتم دفعهم اذا لم يتم احتواءوهم في اطار التيارات المعتدلة القائمة والمعروفة بالنهج السياسي مثل تيار الاخوان الاردني ؟.
اترك الإجابة على التساؤل الأخير للسياسيين واصحاب القرار الذين يهمهم الامر ، والى اولئك الذين تزداد أعداد صفوفهم بالقناعة بان النجاح في الحرب على الارهاب لن يتم بالعمليات الحربية والأمنية فقط ، انما بالعمل على المستوى الوطني في كل بلد من اجل اصلاح شامل يقوم على تعددية حقيقية تستوعب جميع التيارات ( بما في ذلك الاسلامية ) المؤمنة بالعمل السلمي ونبذ العنف والارهاب وبان من يحكم اختلافها وخلافاتها هو الدستور في اطار دولة المواطنة والقانون ، التي لا تتغير دساتيرها الا في اطار توافق وطني ينال موافقة الأقلية قبل الأكثرية ويحفظ حقوق الأقلية قبل الأكثرية .