تمر الصحافة الورقية في العالم عموما، وفي الأردن، بأسوأ مراحلها،
والأرجح ان الصحافة الورقية لن تصمد في نهاية المطاف؛ لان الغرق في مستنقع الديون،
لايمكن الخروج منه بهذه البساطة التي يظنها كثيرون، عبر نداءات الاستغاثة التي
يطلقونها.
ذات مرة وفي مكتب رئيس وزراء اسبق، سألت رئيس الحكومة يومها عن السبب
الذي يمنع حكومته عن انقاذ الصحف اليومية في الاردن ومد «يد الاحسان» الى هذه
الصحف، ولو من باب زيادة الاعلانات او الاشتراكات، او الاعفاء من الضريبة على
الورق، او حتى الاتصال بمؤسسات اقتصادية لحثها على زيادة حصتها من الاعلان في
الاردن.
كنت منفعلا.والرئيس بارد الاعصاب.قال يومها، ولماذا تطلب مني انقاذ
الصحف اليومية مثلا، وكل القطاعات في البلد بحاجة الى انقاذ، فمستشفيات الحكومة
بحاجة الى انقاذ ومباني وادوية وسيارات اسعاف، والدفاع المدني بحاجة الى آليات،
والبلديات بحاجة الى «جرافات» والجامعات بحاجة لمن يسدد الديون عنها، وكل هذه
القطاعات حيوية، كما الصحافة، فلماذا تظنون انكم احسن من غيركم، ولابد من انقاذ
مؤسساتكم، برغم ان بقية المؤسسات هامة ايضا، وتظن ان الاولوية لها ايضا؟!.
وكلام الرئيس الاسبق صادم، ويعبر فعليا عن ضيق افق، وعن اعتراف مباشر،
ان كل المؤسسات تنهار، الواحدة تلو الاخرى، هذا فوق تغييبه للحقيقة الخطيرة التي
تقول، ان بديل الاعلام الورقي، غابة من الفوضى الاعلامية.
غير ان علينا الاعتراف هنا، من جانب آخر ان كلام الرئيس فيه صحة، لان
الصحافة رضيت بالدور الوظيفي، والنوم في حضن الحكومات، على حساب استقلالها واحترام
القارئ لها، وعلى حساب بصيرتها، التي كانت تفرض عليها التنبه لهذه المرحلة،
باعتبار ان الصحافة صناعة اقتصادية، لها ادواتها، وكان لابد من توسعة طبيعة
نشاطاتها، والاستفادة من التطورات التكنولوجية في المهنة، ومجاراة المستجد، خصوصا،
ان اغلبية القراء اليوم، تنزع للقراءة الالكترونية بدلا من الورقية، والتغير في
بوصلة الاعلان والقراءة، واضح، لم يتمكن البعض من ملاحقته، حتى جاءت ساعة الحقيقة،
التي تقول، ان لاحصانة للصحافة اليومية، سوى صنعتها الاساس، وان النوم في العسل مع
الحكومات، لايعني اي حصانة في النهاية تمنع الغياب والاختفاء والتعثر وبقية
المشاكل التي نعرفها.
الصحافة الورقية في الاردن، التي تدفع ملايين الدنانير ثمنا للورق
والاجور، وبقيت على ذات المنوال برغم تغير مزاج الاعلان اساسا، وانخفاض قيمته السنوية
في كل البلد، وهروبه نحو الاذاعات وغيرها، دخلت الحائط اليوم، والتلاعب بالمسميات،
مجرد تخدير، والارجح ان كل الحلول لن تنقذ صحافة أسيرة لديونها، واي انقاذ سيكون
مؤقتا، لكنه سيعيد انتاج المشكلة لاحقا، وفرق كبير بين حل المشكلة، وجدولتها!.
الاستغاثة بالحكومات، اليوم، امر قد لايجدي نفعا، لان ذات الحكومات
تتفرج على كل شيء، من الشارع الذي تشقق، الى الجامعة المدينة، مرورا بسيارة
الاسعاف التي بحاجة الى ونش يحملها الى موقع الحادث، ولابد من حل تقدم عليه ذات
المؤسسات من باب مراجعة اوضاعها الداخلية ونفقاتها، هذا فوق تدخل جهات اهم من
الحكومات لصالح حقن الصحف بالمال الاعلاني، ولو لفترة مؤقتة، من باب منحها الفرصة
حتى تتنفس، وتعيد ترتيب اوراقها.
الارجح ان وصفة الحل اعمق مما سبق، فترك الصحف لحريتها قليلا، وتوسعة
هوامشها، يمنحها الفرصة لاستعادة القارئ والمعلن والمشترك، لان كل هؤلاء باتوا
ينبذون اي وسيلة اعلامية تتذاكى عليهم، وهم اساسا يتلقون معلوماتهم من الف وسيلة
اخرى يوميا.
اما ان تبكي الصحف على كتف الحكومات، وتبلل وجهها بالدموع، تحت عنوان
يقول، ان الصحافة خدمت الحكومات، فلماذا تتركها اليوم، فهذا كلام في الاساس يعد
مطعنا في مصداقية الصحف، ويقول انها تعلن وتعترف انها مجرد تكايا خيرية، تتلقى
الصدقات من الحكومات العابرة، وان الصحفيين فيها مجرد ايتام على موائدها؟!.
قد نكتفي بعد قليل، بالمرور قرب بوابات الصحف اليومية، وقراءة
الفاتحة، والقول سلام عليكم دار قوم مؤمنين، انتم السابقون ونحن اللاحقون.