في أيامنا ينتشر الكلام عن صورة جديدة للاستعمار ومن ثم للامبريالية ,وهي تتمثل عند الذين يعنون بها من الباحثين في تحرك القوى الاستعمارية القديمة بعد ان فقدت سيطرتها على البلاد المستعمرة اثر استقلالها ـ نحو تعويض بعض مافقدته بأساليب جديدة تخدر بها ضحاياها.
انه استعمار ولكن الجديد فيه هو اساليبه,انه على حد تعبير احد المعنيين بتحليل هذه الظاهرة الجديدة, كفاح مؤخرة قوى الاستعمار القديمة , من اجل الابقاء على مكاسبهم الاستعمارية ,وكفاح مؤخرات القوى هو دائما اكثر مرارة واشد ضراوة.
ان التباين بين الاستعمار في صورته القديمة وصورته الجديدة ينحصر عند الملاحظين في تباين الاساليب ,فالمستعمرون الجدد راحوا يلجئون الى أساليب فيها من الرقة وقوة الاقناع مايبعد عنها ظنون التوسع الاستعماري ولكنها اكثر فاعلية في ضوء الواقع الجديد ـ الذي لم يعد يحتمل اساليب العنف الاستعمارية القديمة , ذلك بينما الاهداف واحدة : انها بالنسبة لصورة الاستعمار الجديد تتمثل اما في استعمار اخضاع الشعوب التي تحررت من الاستعمار في صورته القديمة لنفوذ المستعمر القديم تحقيقا لنفس الامتيازات الاقتصادية والسياسية ,واما ببسط نفوذ مستعمر جديد الى مناطق لم يسبق له استعمارها .
لقد اقتنع المستعمرون القدامى في الحقبة الاخيرة ان واقع العصر لم يعد يطيق التكشير عن الانياب ,وانما لابد من ابتسامات وملاطفات تصفق لها الفريسة الجديدة فتتحقق الاهداف اللااخلاقية باساليب اخلاقية مكيافيلية.
ان الاستعمار الجديد هو وحش رهيب يخدر فريسته بموسيقى هادئة ,ان اساليبه تدور لدى اغلب الملاحظين حول التقدم لدى الشعوب المتحررة حديثا من الاستعمار بالقروض المالية لكي تستعين بها على مواجهة اعبائها القومية الجديدة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية ,او بالمعونات الفنية اللازمة لاغنائها,وغير ذلك مما يبدو للدول المستقلة حديثا من الاستعمار عملا وديا بينما هو في ضمير المستعمرين انغام الموسيقى المخدرة .