كنت أتمنى أن تكون العلاقة بين الدول والحكومات أفضل مما هي عليه الآن، وألاّ تدحرجها الأطماع والمصالح والإرهاب إلى المستوى الذي بلغته بهذه الصورة.
لقد انتشرت في الأمة العربية والإسلامية طوائف وجماعات إرهابية مستبدة، علو علواً وفساداً في المجتمعات، محاولون فرض سلطتهم على الشعوب، وفرض آرائهم وأشخاصهم، ولئن كممنا أفواههم عن أفعالهم، فهيهات أن تكمم ضمائرهم وأخلاقهم عن الغليان المكتوم بداخلهم، يتربصون للأمة يذبحون ويرهبون ويفتنون بالفتن، ويقتلون الأبرياء في الأوطان ويحرقون وينهبون. كثرت أفعالهم وأقوالهم الغير مُرضية لله ورسوله، بل للدين مما أوقع الشعوب في براثن الإختلافات وفرض بلد على بلد أخر السيطرة والحكم في المنطقة. دماء المسلمين وغير المسلمين اليوم تسفك، الفتن كثرت وظلمات انتشرت وفاحات والمستقبل غامض. هذا ما جعلنا اليوم في أشد الحاجه الملحة إلى انتهاج خطاب ديني سليم مستمر وجديد في الحياة، لكي نرجع فيه إلى إسلامنا الصحيح وأهدافه الوسطية النبيلة والذي يستمد من القرآن وتفاسيره وعلومه الذي شرفنا الله به. وكلفنا بحمله وتبليغه بأبسط المفاهيم وأوضحها.
نحن لا نقصر من دور الأزهر الآن، ولكن عليه عبء كبير، وهذا ما يجعلني أحمله الوِزر الأكبر في استخراج وتصحيح وتحديث الخطاب الديني الحديث.
علينا جميعاً أن نعرف أن الخطاب الديني هو مظهر الحياة المتحركة في ديننا ودنيانا، فالخطاب الديني بما يحمل من كلمات تزحف من قلب إلى قلب ويثب من فكر إلى فكر، فعليه يجب أن يهتدي به الناس، وأن يكون ذو قدرة وقوة فذة ما يحمل من كلمات على استثارة أفكار الناس واستجاشة مشاعرهم، والسمو بهم إلى ما يشاء. فهو الوقود للنهضة وضياء للأمة في حلول عللها، فيجب أن يحمل من روح القرآن ما ينير القلوب والعقل حتى تخرج الناس من مساجدهم وكنائسهم منتعشة القلوب بمعاني الخطاب الديني المتغلغل في شئون الحياة، يتناوله الناس بالسرد والعمل.
الخطاب الديني هو الذي يفسر ويوضح ويشرح للفرد والمجتمع والدولة والأمة في شمول وهيمنة ويستشف خبايا الأنفس والعقول، فلا يدع ريبة ولا شبهة ولا فتنة ولا إختلاف بين الناس والشعوب إلاّ وأزاحها وحلها. ولا يفرط في قضية أو هم من هموم الناس والشعوب في معايشهم أو معادهم.
فالخطاب الديني حقاً هو الذي يأخذ من القرآن، والخطاب الديني أيضاً للأخوة المسيحيين يأخذ من أنجيلهم بما ينفع الأمة عامة.
فالقرآن هو المعجزة الأدبية والأخلاقية التي أخرست الخارجين عنه على مر العصور. هو الذي يأخذ منه بلباقة ما يشفي علل الناس ويصحح المفاهيم والأفكار والأفعال، ويحبط كيد الشيطان، خطابنا الديني هو الذي يرق القلوب القاسية وتنفرج به الأسارير التي انقبضت.
ما أحوجنا اليوم إلى الحاجه الماسة للخطاب الديني لأن يخرج بكلمات كالمصابيح التي تكتسح الظلام الدامس ويبين تبدد المظالم، وأن يوضح الفكر الإسلامي الصحيح للناس عامة، بل الجماعات التي ترهب الناس في الأمة الآن.
فنحن في حاجه ماسة (أكرر) إلى الخطاب الديني الصحيح الوسطي الذي يغيّر وجه العالم، وليس الأمة العربية والإسلامية فقط، ولابد أن يصطحب الخطاب الديني المدّ من قواعدنا الإسلامية الصحيحة لينشر الأخلاق والعبادة والتعليم والثقافة، وأن يكون أسوة حسنة معبراً عن الدين الإسلامي ليوضحه للعالم بأسره.
فالخطاب الديني هو الحياة الأولى والآخرة جميعاً مثله مثل الخطبة الإسلامية تماماً.
يجب علينا لأن نستقبل ونهيئ أنفسنا لكل هذه الأمواج التي ابتليت بها أمتنا، أن ندعو ربنا ليلاً ونهاراً، علينا أن نهرع إلى مساجدنا وكنائسنا طالبين العون والمد من الله وحده.
محمد شوارب
كـاتب حـر
mohsay64@gmail.com