هناك مقولة مفادها انه عندما يوجد فرد يسود السلام وعند وجود اثنين ينشأ الصراع وعند وجود اكثر تبدأ التحالفات وهذا ما يحكم حياتنا بشكل عام فالمفكرين يجمعون الى ان الصراع ظاهرة طبيعية في حياة الانسان وفي حياة المجتمعات والمؤسسات ابتداءاً من الاسرة والمجتمع والدولة فالصراع هو من يحكم المؤسسات غيران اشكال الصراع ليست واحدة كما ان نتائجه مختلفة فهو يتدرج في شدته فيبدأ ناعماً في مستوى الاسرة ويصل ذروته على مستوى الانسانية ويصل الى حد الصدام المسلح او الحروب .
لنتناول نوعين من الصراع الاول في السياسة والثاني في المجتمع نجد ان الاول صراع فكري والثاني صراع مجتمعي ( صراع شخصيات ) وهذا ما تميزت فيه غالبية مجتمعاتنا في الفترة الزمنية الماضية ونجده حالياً اكثر وضوحاً بوجود العالم الافتراضي من وسائل تقنية حديثة اصبحت في متناول الجميع فالصراع الفكري محوره رؤية فكرية وتوجه فكري يقبله افراد ومجموعات ويرفضه اخرون اما الصراع الثاني فهو الصراع الشخصي فوقوده قبول او رفض لذلك الشخص اي قبول وجوده في مكانته الاجتماعية كزعيم او شيخ او مسؤول في مجتمعه او في الساحة المجتمعية او رفض وجوده وعزله .
في الوقت الذي فيه الصراع الفكري قد يؤدي الى نمو وتطور في الفكر عندما يقصد متبنيه البحث عن الرأي والمسار السليم بعيداً عن مصالحهم ومكاسبهم الشخصية او اية اطماع جماعية اما الصراع الشخصي فينتج عنه تغيرات في الواقع البشري ومدى انتمائه لوطنه ومجتمعه واتجاهات التغيير وقوتها وتأثيرها ترتبط بمدى القوى المتصارعة سواء كانت تلك القوى مادية او معنوية .
وكثير من الصراعات الشخصية ترتبط بتصفيات سياسية او اجتماعية للوصول الى المنصب الذي يحقق المكانة والقوة والسلطة التنفيذية والتقرب من اصحاب القرار وهذا الصراع يأخذ اشكال متعددة كي يوقع احدهم الآخر ليشَهِر به ويحرق اسهمه سياسياً واجتماعياً .
الأدهى من هذا كله عندما يكون الصراع شخصياً لكنه يلبس عباءة الصراع الفكري والذي لا يتقنه الا فئة تميزت بالدهاء والخبث بالاضافة الى ان هناك فئة مجتمعية تتبنى موقفاً فكرياً لمجرد انه يتبع لموقف فكري لشخص يؤمن به فيتخذ الفكرة التي ينادي بها ذلك الشخص دون ان يفكر فيها او يحللها او في ابعادها ومخاطرها فما بالك اذا كانت جماعية اي اصبح فكراً جماعياً ينادى ويطالب به دون نقاش دون حوار على اعتبار انهم الاصح والاسلم والاقوى والاقدر على التصعيد فنجد هناك فئات مجتمعية تسير خلفه وتدافع عن فكرة ورأية وتؤيد موقفه .
اما الجانب الآخر فنجد ان هناك فئات مجتمعية ترفض موقفاً سياسياً او اجتماعياً لمجرد موقفهم من الشخص الذي قاله او تبناه ويعتبره موقفاً تأمرياً دون ان يجهد نفسه بالتفكير فيه او فهمه او تحليله وهذا يأخذ شكلاً من اشكال صراع الجماعات وهذه الصراعات والاجتهادات من اكثر ما توقع الفتن وتغيب القدرة على تحكيم العقل والتفكير السليم وكأنه صراع وجود لا مجال فيه للمساومة ومن لم يدخل فيه فهو غير منتمي لوطنه .
اللهم ارنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن .
المهندس هاشم المجالي
hashemmajali_56@yahoo.com