ما هي خياراتنا في المرحلة المقبلة؟.. ثلاثة اسباب على الاقل تدعونا الى طرح هذا السؤال : الاول ما جرى بعد حادثة استشهاد الطيار الاردني الكساسبة حيث انتهى النقاش نسبيا حول الحرب حول داعش فيما اذا كانت حربنا ام لا ، وجاءت الاجابة واضحة من خلال الضربات الجوية المتتالية التي تم توجيها ضد التنظيم ولاحقا من خلال السيناريوهات التي طرحت لتغير” قواعد الاشتباك " معه، الثاني : التغيرات التي طرأت على مسار الصراع داخل سوريا وخاصة فيما يتعلق بالمواجهة بين النظام السوري والمعارضة في الشريط الممتد من القنيطرة الى حوران ، ومع دخول ايران وحزب الله على الخط لمنع تشكل حائط صد عربي ( بعد تداول اخبار عن دعم العشائر السنية وامكانية تدخل بري انطلاقا من درعا ) يتعارض مع المخططات الايرانية ويهدد ايضا النظام السوري في دمشق ، وهذا كله يشكل تحديا واضحا للاردن الذي يعتبر اي تغير في معادلة الصراع بدرعا يهدد امنه واستقراره، اما السبب الثالث فهو يتعلق بامتداد داعش خارج العراق والشام ووصولها الى ليبيا حيث يجري الان تداول اقتراح بتشكيل جبهة عربية لمواجهتها (الاقتراح جاء من مصر) ومن المؤكد ان الاردن سيكون جزءا منه ، واذا ما اضفنا الى تلك الدعوات التي سمعناها لدفع الاردن لقيادة هذا التحالف ما وصل من دعم عسكري عربي الينا ، ثم الاشادات التي تلقيناها من قبل بعض الاصدقاء على هذا الصعيد، فان ثمة مؤشرات لدور كبير يمكن ان نقوم به في هذا المجال.
اذا دققنا في هذه الخلفيات ،وفي غيرها من الجهود التي تجري استعدادا لضرب معاقل داعش، فان امامنا ثلاثة خيارات : الاول هو الانخراط بشكل موسع في الحرب والذهاب فيها الى ابعد حد ،مما يعني اننا سنكون في السنوات الثلاث المقبلة على الاقل مشغولين بحرب طويلة لا نعرف بالطبع مساراتها ولا نهاياتها، ومع ان مشاركتنا في حرب برية لم يحسم حتى الان بشكل واضح ،الا ان كل التصريحات التي سمعناها من اطراف التحالف تؤكد انه لا يمكن حسم هذه المعركة الا بريا، ولو افترضنا اننا لن نتورط في حرب برية فان حالة الحرب الطويلة تعني بالنسبة لنا المزيد من الاستنزاف، كما تقتضي ايضا المزيد من الحذر.
اما الخيار الثاني فهو الالتزام بالمسار الحالي، حيث نسهم مع التحالف في العمليات الجوية والاستخبارية فقط ،فيما يمكن القيام بدور ما في تدريب القوات العراقية وربما المشاركة في اي جهد عربي ضد الارهاب دون الانخراط بشكل موسع في ذلك، وهذا الخيار يبدو متطابقا مع تجربتنا في السنوات الثلاث الماضية تجاه الصراع في سوريا حيث التزمنا بنوع من التوازن تجاه الاطراف المتصارعه هناك ،ومن شأن هكذا خيار ان يجنبنا الانغماس في "وحل "حرب طويلة، كما يجنبنا اي ردات فعل يكمن ان تقوض استقرانا الداخلي .
يبقى الخيار الثالث وهو يتعلق بما يجري على حدودنا الشمالية خاصة بعد التهديدات التي سمعناها من بعض المسؤولين في سوريا وايران ،وهنا اعتقد ان الاردن لا يفكر بالدخول في اية حرب برية في الاراضي السورية، ولا بدعم التنظيمات التي تخوض معركة درعا، لكنه في الوقت نفسه لا يمكن ان يسمح بوصول ايران وحزب الله الى حدوده ، ولا بدفع اية تنظيمات اخرى الى داخل اراضيه، وفي هذا الاطار فان امام الاردن فرصة لاستثمار علاقاته مع روسيا تحديدا لتجاوز هذه المشكلة، كما يمكن للتغيرات التي طرأت على خريطة التحالفات فيما يتعلق بالموقف من النظام السوري ان تساعدنا في الرد على موجة التمدد الايراني الاخيرة.
لا اعرف – بالضبط - الى اي الخيارات سوف ننحاز في المرحلة المقبلة، لكن يبدو اننا امام معادلات صعبة تتجاوز قدرتنا على التنبؤ بها او حسم مواقفنا تجاهها، وبالتالي فان بناء اي موقف اردني يحتاج الى مسألتين : الاولى ضرورة تأمين جبهة داخلية موحدة ومتماسكة ومدركة تماما لاستحقاقات المرحلة وما تطلبه من استعدادات وتضحيات، وهنا لا بد ان نخرج من صندوق الماضي والتباساته لكي نتوافق على اجندة وطنية عنوانها التصالح من اجل الاصلاح، اما المسالة الثانية فهي ضرورة استعادة منطق الدولة، لا اي منطق اخر، في التعامل مع مسألة الحرب ضد الارهاب، سواء على الصعيد الداخلي او ضد التنظيمات خارج الحدود، وهنا يفترض ان نعيد تعريف دورنا وفق مقداراتنا ، وان نحسب خطواتنا على مسطرة مصالحنا، وان نرشّد تحالفاتنا بما يتناسب مع الواقع الذي نمر به والازمات التي تحاصرنا والمتغيرات التي طرأت على محيطنا.. وقبل ذلك كله مع حالة التوازن والاعتدال التي اعتمدناها في الماضي تجاه الاحداث التي شهدتها منطقتنا.