بقلم: الدكتور بلال عبد الرحمن إبداح
لقد جاءت رسالة الإسلام بشمولية أحكامها وتشريعاتها تسعى في تحقيقِ مقاصدَ ساميةً وقيماً عليا، أوّلها وأوْلاها حفظ النفس الإنسانية من أنْ تهان أو تمسّ بسوء، ونرى عناية الإسلام تزداد اهتماماً بالنفس البشرية شفقة ورحمة كلما بدا ضعفها أو انكسر خاطرها، وينظر الإسلام إلى فئة الأسرى على أنها من الفئات التي يستوجب حالها الشفقة والإحسان والرعاية ، تماماً مثل المسكين واليتيم، ويوجب على أتباعه معاملتهم معاملة إنسانية كريمة، تحفظ كرامتهم، وترعى حقوقهم.
وفي تعبير غايةٌ في اللطف يحثّ المولى سبحانه عباده على الإحسان إلى الأسير بقوله: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً. "
أما ما نراه اليوم على يد جماعة تلبس لبوس الإسلام وتجعل راية التوحيد شعاراً لها من قتل للأسرى بأسلوب وحشي ومستفزّ لكلّ ذي طبع سليم، ذبحاً وتحريقاً، فهذا ما يخالف هدي الإسلام في التعامل مع أسرى الحروب.
ولقد كان ديدن الإسلام يوم أنْ كان له دولة وقوة ما نظمه أبو الفوارس من أدباء القرن السادس الهجري يوم أنْ قال:
مَلكْنا فكان العَفْو منَّا سَجيَّةً ،،، فلمَّا ملكْتُمْ سالَ بالدَّمِ أبْطَحُ
حَلَّلْتُمُ قتلَ الأسارى وطالَما ،،، غَدوْنا عن الأسْرى نَعفُّ ونصفَح
فحسْبُكُمُ هذا التَّفاوتُ بيْنَنا ،،، وكلُّ إِناءٍ بالذي فيهِ يَنْضَحُ.
وإننا لنعجب كلّ العجب من هؤلاء القوم، حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام الذين يُقدّمون الإسلام للعالم وكأنه شرعةٌ غابٍ لا يحكمها إلا المخلب والناب، نعجب منهم وهم يصوّرون تشريعات ديننا الحنيف (المتهم أصلاً بالإرهاب زوراً وبهتاناً) يصورونها على أنها مجموعة من الأحكام القاسية البشعة المنسلخة عن أدنى مشاعر الإنسانية، فعقمت أفهامهم القاصرة من أنْ ترى من أحكام ربنا إلا إقامة الحدّ وسنان السيف دون بصيرة في فقه مقاصد الإسلام وضروراته التي جاءت التشريعات لخدمتها، ودون دراية بفقه السياسة الشرعية أو حتى المدنية، ودون معرفة بالقواعد الفقهية الكلية التي تؤمن أنّ دفع المضرّة المؤكدّة أولى من جلب المنفعة العاجلة، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ(204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ(205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)
وكيف لا نعجب؟ وما زالت شعوب العالم مندهشةً من الجهل بظروف نشأتها، وحقيقة أهدافها ونواياها، ومصادر تسليحها، وسرعة انتشارها ووصول المقاتلين إلى صفوفها.
وبانعدام المنهج الاسلامي في السعي نحو الاستخلاف الفاضل في الأرض وغياب الرؤية النبوية الراشدة في تحكيم شرع الله في العالمين فقد أساءت الجماعة الداعشية لذاتها ولخلق الله تعالى، والأشدّ والأنكى أنها أساءت لسماحة ديننا واعتدال أحكامه،
وقديماً قال الشاعر:
لكل داءٍ دواءٌ يُستطبّ به ،، إلا الحماقة أعْيَتْ مَن يداويها، فبغباء وحماقة مستفحليَن فتحت داعش الباب على مصراعيه لأولئك (الذين لا يحلو صيدهم إلا في الماء العكر، ويعكر صفوهم إذا الماء صفا) أولئك الناقمين الحاقدين على رسالة الإسلام، وفكرة عالميته، ومشروعه الحضاري، في الإساءة لرموز الأمة وعلمائها من أصحاب الفكر الوسطي والمنهج المعتدل.
وللأسفِ فقد انبرى بعضُ حملة الأقلام بألسنةَ شداد، وأقلام حِداد ضدَّ أهل العلم والدُّعاة، والمصلحين والغيورين، ويخرج عليك متعالِم لم يخُضْ غمار العِلم الشرعي، وأصوله وفنونه، وبشخطة قلمٍ يُصنِّف العلماء والفتاوى، فهذا متشدِّد، وهذا معتدِل، وهذا متزمِّت، وهذا متسامح.
إنّ موضوع التشدُّد في الدين من المسائل الشرعيَّة، وتحديد معالِم التشدُّد هو نوع من الإفتاء والتوقيع عن ربِّ العالمين، فالحديث عن التشدُّد وملامحه، ومعالمه وصوره هو لأهل الاختصاص مِن حَمَلة العِلم الشرعي، فهُم أعلم بما يدخل في التشدُّد وما لا يدخُل، ومَن تطفَّل على غير فنِّه أتى بالعجائب. ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).
أليس مِن الخطأ المنهجي، والقُصور الفكري، أن نذكر الاعتدال وننادِي به في مقابل التشدُّد فقط. بينما نرى صورَ التسيُّبِ، ومناظرَ الانحلال، وفشو الانحطاط الاخلاقي تغزو كثيراً من مظاهر حياتنا ثم لا نراهم ينبسون ببنت شفه.
إنَّ تصنيف المجتمع، ونبْذ أفراده جهلاً وعدوانًا بالتشدُّد والغلو - ظاهرةٌ لا تبشِّر بخير، وبالأخصِّ إذا كانت أصابع اتهامهم تُشير دائماً بوضوحٍ إلى العلماء والدعاة، والمناهج والمحاضرات، وتحرِّض على ميادين الخير والدعوة، وتجعل الناس في موقف التوجُّس والحذر مِن كلّ محضن إصلاحي.
يقيننا بالله تعالى أنَّ الزَّبد يذهب جفاءً، وأمَّا ما ينفع الناس فيمكُث في الأرْض.
إلى روح معاذ الرحمة ،، وإلى دعاة الخراب العار والبوار.
لكل داءٍ دواءٌ يُستطبّ به ،، إلا الحماقة أعْيَتْ مَن يداويها، فبغباء وحماقة مستفحليَن فتحت داعش الباب على مصراعيه لأولئك (الذين لا يحلو صيدهم إلا في الماء العكر، ويعكر صفوهم إذا الماء صفا) أولئك الناقمين الحاقدين على رسالة الإسلام، وفكرة عالميته، ومشروعه الحضاري، في الإساءة لرموز الأمة وعلمائها من أصحاب الفكر الوسطي والمنهج المعتدل.
وللأسفِ فقد انبرى بعضُ حملة الأقلام بألسنةَ شداد، وأقلام حِداد ضدَّ أهل العلم والدُّعاة، والمصلحين والغيورين، ويخرج عليك متعالِم لم يخُضْ غمار العِلم الشرعي، وأصوله وفنونه، وبشخطة قلمٍ يُصنِّف العلماء والفتاوى، فهذا متشدِّد، وهذا معتدِل، وهذا متزمِّت، وهذا متسامح.
إنّ موضوع التشدُّد في الدين من المسائل الشرعيَّة، وتحديد معالِم التشدُّد هو نوع من الإفتاء والتوقيع عن ربِّ العالمين، فالحديث عن التشدُّد وملامحه، ومعالمه وصوره هو لأهل الاختصاص مِن حَمَلة العِلم الشرعي، فهُم أعلم بما يدخل في التشدُّد وما لا يدخُل، ومَن تطفَّل على غير فنِّه أتى بالعجائب. ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).
أليس مِن الخطأ المنهجي، والقُصور الفكري، أن نذكر الاعتدال وننادِي به في مقابل التشدُّد فقط. بينما نرى صورَ التسيُّبِ، ومناظرَ الانحلال، وفشو الانحطاط الاخلاقي تغزو كثيراً من مظاهر حياتنا ثم لا نراهم ينبسون ببنت شفه.
إنَّ تصنيف المجتمع، ونبْذ أفراده جهلاً وعدوانًا بالتشدُّد والغلو - ظاهرةٌ لا تبشِّر بخير، وبالأخصِّ إذا كانت أصابع اتهامهم تُشير دائماً بوضوحٍ إلى العلماء والدعاة، والمناهج والمحاضرات، وتحرِّض على ميادين الخير والدعوة، وتجعل الناس في موقف التوجُّس والحذر مِن كلّ محضن إصلاحي.
يقيننا بالله تعالى أنَّ الزَّبد يذهب جفاءً، وأمَّا ما ينفع الناس فيمكُث في الأرْض.
إلى روح معاذ الرحمة ،، وإلى دعاة الخراب العار والبوار.