حب الأوطان أمر متأصل في النفس، لا يمكن لأحد أن يحدد مدى وحجم المحبة والولاء إلى الوطن لدى أي شخص، فقيرا كان أو غنيا، متعلما أو جاهلا، مؤيدا أو معارضا، صغيرا أو كبيرا.. ولا يسمح أيضا لأحد بأن يقرر عن الآخر.
ورغم أن كثيرا من مواطني الدول الفقيرة ينزحون عن دولهم، فان الحب في نفوسهم يبقى للحبيب الأول وهو وطنهم، والذي لولا الفقر والحاجة وتقطع السبل بهم لما تركوه وابتعدوا عنه، وهذا أمر معهود ومعروف، ويشترك فيه أيضا من هم أوفر حظا بابتعادهم عن أوطانهم للدراسة أو السياحة.
إلا أن أسلوب المحبة والولاء للوطن والإخلاص له وطرق ودرجة هذه المحبة تتغير وفقا لما تقدمه كل حكومة لأبناء شعبها من أمور تعزز في نفوسهم الانتماء والارتباط للوطن، باعتبارها الموجه والمسيطر والمؤتمن على مقدرات هذا الوطن.
ومن الطبيعي أن تكون مخرجات الشعوب هي نتاج ما تفعله الحكومات ومعها من يهيمنون على مقدرات بلادهم وثرواتها، وهو ما يطلق عليه صناعة الجو العام للشعوب، فالحكومة بأدواتها وأعوانها تستطيع أن تبرمج الناس وتدفعهم للتفكير في الأسلوب الذي تريده، لكن إذا حدث ذلك بنوع من القمع والتسلط والدكتاتورية وإشاعة الفقر والجهل، فالنتائج الحتمية تكون الإرهاب والسخط والتخبط وشعوبا قابلة للاشتعال.
في الاردن كلنا نحبه ونعشقه، لكن الحكومات هي من اثرت ومولت ووجهت لأن يكون هناك فاسد لأنها لم تطبق القانون.. وسمحت بأن يكون هناك مستغل لأنها لم تعاقب.. وأوجدت مواطنا لا يعمل ولا ينتج لأنه محبط.. وهناك من لا يدفع فاتورة الكهرباء والماء والتلفون لأنه لم يجد خدمة جيدة، سواء في الصحة أو التعليم أو غيرها من الخدمات الضرورية.
وبدلا من أن تعمل الحكومات على تنمية حب الناس لوطنهم واستثماره في تحقيق الرقي والتقدم لهذا الوطن، ساهمت بعجزها وتكاسلها وتواطئها في انتشار الفساد، فكثر المستغلون وتضخم المتكاسلون والمهملون في ظل غياب القانون.
لابد أن نذكر هنا أن حب الاردنين لوطنهم لا يرتبط بأشخاص معينين ولا مسؤولين محددين أو قياديين بارزين، لذلك ليس مقبولا أو معقولا أن يوصم أي مواطن بأنه لا يحب الاردن لمجرد أنه ينتقد شخصا ما، مهما ارتقى منصبه وارتفعت درجته، فمحاربة الفساد ومهاجمة المفسدين أيا كانوا لا تعني بأي حال من الأحول عدم حب الوطن، والسعي لرفعته واستقراره وتقدمه.
ولا شك أنه في أي مجتمع إذا ارتفع صوت الإرهاب والتعصب، أو ظهرت المعارضة القوية الشرسة أو انتشرت الفوضى والجهل، فإن ذلك هو نتاج عمل حكومات غير أمينة وغير عادلة.
لذا فإن المناصب القيادية وعضوية السلطتين وتحمل مسؤولية إدارة مؤسسات الدولة أمور يجب أن تكون لها معايير محددة وأسس مدروسة، لتكون قادرة على فهم معنى العمل العام واتخاذ القرارات المناسبة في التوقيت المناسب.. ومن المهم أن تكون على وعي كامل بأهمية العمل لبناء جيل قادر على الارتقاء بالوطن وحمل رايته عالياً.