اخبار البلد - "كل نفس ذائقة الموت"، كان إمام مسجد في بيادر وادي السير في العاصمة الأردنية عمان يرددها بثقة وهو ينعى ظهر أول من أمس شابا عشرينيا من دون أن يدري أنه وقع بذلك ضحية "مزحة شبابية" لم يكن وقعها خفيفا على ذوي الشاب، وخصوصا والدته ووالده، وهما يسمعان نبأ وفاة ابنهما، فلذة كبدهما الذي كانا ودعاه قبل ساعات، مضافا إليه ميعاد الدفن ومكانه.
ولأن لا أحد يكذب خبرا ينطلق من سماعة مئذنة بيت الله على لسان إمام مسجد كرر الخبر ذاته خمس مرات متتالية، وكأنه بذلك حريص على إيصال رسالته لأكبر عدد ممكن من الناس، حباً في الله وتعاطفاً مع الشاب المتوفى في ريعان شبابه، انطلت "المزحة الثقيلة على الجميع فكادت الأم "المكلومة" تنهار من وقع الصدمة، وهي تسمع النبأ "الصاعقة"، فيما تدافع أقارب الشاب "الميت الحي" إلى منزل أهله وسط حالة من الذهول انتابت الجميع وتركتهم بين مصدق ومكذب للخبر.
وبينما كادت الأم الأربعينية تفقد وعيها بعد أن انخفض ضغطها وارتعشت أوصالها، لم يتوقف والده الخمسيني منذ سماعه الخبر عن البكاء والصراخ على فقدان ابنه الشاب الذي كان أنهى لتوه تعليمه الجامعي وبدأ يبحث له عن عروس تشاركه حياته، أما عشيرته فهمّت بفتح بيت عزاء لمشاركة والديه مصابهما الأليم.
وبعد ساعات مرت كأنها الدهر كله على الأسرة المفجوعة، جاء الشقيق الأصغر (17 عاما) ليعلن للجميع أن الشاب المفترض أنه "متوفى" ما يزال على قيد الحياة، وما هي إلا "مزحة شبابية" لم يحسب عواقبها.
وفي ظل النبأ الجديد، الذي بات أكيدا، اختلطت مشاعر الوالدين والأقارب بين فرح وحزن شديدين. ووسط هذه المشاعر المتناقضة، جاء "المتوفى" ماشيا على قدميه في زقاق الحارة، ليفاجأ بدوره بجموع الأقارب والجيران تهنئه على كونه حيا يرزق.
وهو في حالة ذهول، كانت القبلات تنهال على الشاب العشريني ترافقها زغاريد النسوة، لتضفي على المشهد جوا كرنفاليا أقرب ما يكون إلى "فانتازيا" تدخل عوالم اللامعقول من أوسع أبوابه، وسط دعوات له بطول العمر.
تلك المزحة "الثقيلة" قلبت نهار الأم في ذلك اليوم إلى مأساة حقيقية، لظنها أنها فقدت فلذة كبدها، بحسب قولها لصحيفة الغد. ورغم غضبها الشديد على سلوكيات ابنها "الأصغر" غير المسؤولة الذي تمكن من إقناع الإمام بوفاة شقيقة الأكبر، إلا أنها حمدت خالقها الرحيم على سلامة ابنها.
وتفاديا لتكرار هذه اللحظات العائلية المؤلمة، وخلق مشاكل بين أفرادها، دعت الأم التي تعمل لسد قوت أولادها، وزارة الأوقاف إلى أن تمنع استخدام المساجد للإعلان عن الوفاة أو حتى عن أطفال ضلوا سبيلهم قبل التأكد من هذه المعلومات التي تمس حياة الناس وأوجاعم.
وكانت الوزارة جددت العام الماضي تعميما سابقا لها يقضي بألا تستخدم سماعات المساجد الخارجية إلا للأذان وإقامة الصلاة، ومنع نعي الأموات على مكبرات الصوت في المساجد، تحت طائلة المساءلة القانونية.
وبعد أن استقبلت الأم التهاني والتبريكات بسلامة ابنها ورسمت البسمة على وجهها، استذكرت حادثة مشابهة شهدتها المنطقة ذاتها قبل سنوات مضت، عندما أقدم شاب عشريني على نعي نفسه بعد أن رفضت إحدى العائلات طلبه بالزواج من ابنتها، ويومها أيضا لم يعلم إمام المسجد بأن من يقف بين يديه هو ذاته الشاب الذي ينعاه.
ويرجع أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين هذه السلوكيات "غير المسؤولة" إلى تنشئة الشاب قبل أن ينضج، باعتبار أنها اتسمت بالنقص في التوجيه من قبل أسرته وتعليمه، فاختلطت عليه إمكانات الحديث ونوعية ما هو المسموح به اجتماعيا والمنهي عنه.
ويقول محادين لـ"الغد" إن هذه السلوكيات تلبي رغبات الشباب الأكثر فضولا وحبا للتجريب والمغامرة، من دون أن يغفل أن الرفاق لهم تأثير واضح على التقليد ومحاكاة التصرفات من حيث تكرارها أو منعها.
ولمواجهة هذه السلوكيات، يقول محادين إن الأصل أن "ينمو الشاب وقد اكتسب مهارات تجعله مقبولا وجديرا بعضوية المجتمع". ويشير إلى دور المؤسسات الإعلامية والدينية والتربوية في توعية الشباب وتنمية قدراتهم.