يستمع الشعب الاردني اليوم الى خطاب العرش السامي الذي يلقيه جلالة الملك في مجلس الامة، وهو بمثابة توجيه ملكي للحكومة ومجلس الامة، يمثل الرؤية الملكية لمفاصل الحياة في الاردن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
لم تخل يوما التوجيهات الملكية من ضرورة السير في خط الاصلاح السياسي الشامل واقرار منظومة القوانين العصرية التي تحمي الحياة المدنية في البلاد، وتحافظ على حقوق الاردنيين، لكن مع الاسف لا تزال منظومة القوانين، خاصة قوانين الاصلاح السياسي يشوبها النفس الامني والرؤية الرجعية ما يستدعي دائما اعادة انتاج هذه القوانين من أجل تحسينها وتحصينها، واكبر مثال على ذلك قانون الاحزاب السياسية المعروض الان بعد قانون الضريبة على مجلس النواب، وقانون الانتخاب الذي لا يعرف احد موعد ولادته.
بعد جلسة الاستماع الى خطاب العرش السامي، يدخل مجلس النواب في اختيار قيادة جديدة له، من المتوقع ان تكون قديمة جديدة، وأهم بند على جدول اعمالها اعادة الهيبة للمجلس وتحسين العلاقة مع الناخبين بعد ان تضررت كثيرا في الاشهر الماضية بفضل قانون التقاعد المدني، وما يتسرب من سلوكات مرفوضة داخل المجلس عن استخدام المال في الانتخابات وتشكيل الكتل البرلمانية، وتكشف استطلاعات الرأي عن ان نسبة الرضا عن المجلس لا تتجاوز 25 %.
بعد جلسة اليوم، سوف يتابع المجلس مناقشة اقرار قانون الضريبة، ولا يضير المجلس ان يتخذ قرارا شعبيا، وهذا فعل سياسي بامتياز، منحاز للفقراء وما تبقى من الطبقة الوسطى، يتقارب في الطموح مع تطلعات المواطنين، وليس اصحاب الاموال، بحيث يشعر الانسان الفقير ان المجلس يتفهم الاوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
باقي من عمر مجلس النواب سنتان، اذا اكتملت دورته الدستورية، وهي فترة كافية لتحسين صورة المجلس لدى المواطنين، بعد ان تدهورت كثيرا، حيث ان المجلس يمثل المؤسسة الاهم في البلاد، وهي ليست مؤسسة اشخاص، بل مؤسسة تمثل الركن الاول في الحكم حسب الدستور الاردني.
في مجلس النواب اعضاء يستحقون نقد سلوكهم وتصرفاتهم، وفيه من الكفاءات والخبرات والعقليات العصرية، التي تستطيع ان تسير بالبلاد نحو التقدم والرقي.
في مجلس النواب اعضاء مطلوبون للقضاء، مختبئون تحت عباءة الحصانة البرلمانية، وفيه سماسرة يبيعون كل ما تصل اليه ايديهم، ومَن يسرق الكهرباء لمنزله، ويزوّر شهادة جامعية، ومَن يقبض تمويلًا اجنبيا لدورات وبرامج وهمية، ومَن يحمل بلالين، وأسلحة وكلاشنكوفات، ويحمل قائمة خدمات واعفاءات علاجية، ولا يُفكِّر إلّا بطريقة "عشاكم بكرة عندي…"
حماية وتحصين الحياة البرلمانية مهما اختلفنا على تقويم اداء اعضاء المجلس، ضروري ومصيري للبلاد وتطورها، ويبقى دورنا في المراحل المقبلة ان نضغط للوصول الى قانون انتخاب عصري وعادل يضمن انتخاب اعضاء أكفاء "خيرة الخيرة" في البلاد، ممن حرمتهم قوانين الانتخاب الرجعية، وتجارب التزوير العديدة، والملاءات المالية ومواجهة الحيتان، من الوصول الى قبة البرلمان.