المراجعة المطلوبة من الإسلاميين عموماً، ينبغي أن تكون أكثر عمقاً وأكثر اتساعاً وشمولاً، ويجب أن تتعدى المسائل الجزئية الداخليّة، والقضايا البديهية التي فات أجلها منذ زمن بعيد، حيث أن الاستجابة المتأخرة كثيراً عن وقت استحقاقها، تصبح ضرباً من العبث، وشكلاً من أشكال البحث عن السراب.
بعض الإسلاميين في الأردن يريد الاكتفاء بالاستجابة إلى بعض المطالبات الداخلية التي مضى عليها ما يزيد على ربع قرن على الأقل،تحت عنوان» مبادرة» من حيث توسيع شريحة الناخبين للقائد الأول، وتخفيض سن الناخبين، وتخفيف شروط المرشحين، والاعتراف بدور المرأة ومشاركتها في الانتخابات الداخلية، فقد جاءت هذه الاستجابة بعد فوات الأوان، على طريقة المثل العامي (مثل العاقب الشتوة بفروة)، فربما لو حدث ذلك قبل ما يزيد على عشرين عاماً لكانت في موقعها، وربما هيئت لخطوات تقدمية أخرى على المستوى الخارجي من حيث اتقان فن التعامل مع الواقع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي، والصمود أمام العواصف والمتغيرات الهائلة والمتسارعة، التي لا تنتظر العاجز عن مواكبة التطورات الواسعة والعميقة، ولن ترحم صاحب الخطوات البطيئة، فضلاً عن الجالس أو الذي يغط في نوم عميق أو الغارق في غيبوبة الوهم اللذيذ.
الحركات الاسلامية أمام واقع في غاية التعقيد والإشكال، ويحتاج إلى جملة مراجعات جذرية واستراتيجية وليست تكتيكيّة تجميليّة، ولا تحتاج إلى بعض الخطوات السطحيّة على صعيد توزيع الابتسامات والأخذ ببعض الخواطر وحملة العلاقات العامة واصدار بعض البيانات واحداث بعض التغييرات في الألفاظ والمجاملات، فهذا لا يعدو مجرد الحبو على أرصفة الطرق التي يعبرها العداؤون وأرباب سباق المسافات الطويلة.
الإسلاميون يحتاجون إلى مراجعة عميقة وجذرية لفقه المرحلة برمتها، من حيث الأهداف، والوسائل والأساليب والأدوات والأشكال والشعارات، وما كان يصلح لمرحلة لا يصلح لمرحلة أخرى، فعندما انتفضت الشعوب العربية وأسلمت قيادها للإسلاميين في لحظة تاريخية حاسمة، كان الإسلاميون بأشد الحاجة إليها من أجل الانتقال من فقه المعارضة، وخطاب الضحية، والاكتفاء بالشعارات، واتقان فن النقد والجلد الخطابي ودغدغة العواطف، إلى فقه البناء وإدارة الدولة وامتلاك البرامج و القدرة على استقطاب الكفاءات، وامتلاك البرنامج الوطني المقنع الذي يشعر الشعب بالأمان والثقة من خلال الآداء والعمل وليس من خلال الأقوال والشعارات، وامتلاك أدوات التشبيك مع حملة الهم الوطني دون نظر إلى خلفية فكرية أو انتماءات حزبية.من خلال اطلاعي ومعرفتي الخاصة فان الحركة الاسلامية في مصر متقدمة على شقيقتها في الاردن اشواطا طويلة ،والحركة الاسلامية في تونس متقدمة على الحركة الاسلامية المصرية اشواطا طويلة وهائلة ومع ذلك كانت النتيجة على هذا النحو مما يؤكد الحاجة الملحة الى خطوة المراجعة التي تصل اي درجة الضرورة القصوى.
ما حصل في تونس درس عميق وقاس للإسلاميين أولاً، وكل رواد التغيير، وكل القوى السياسية الجديدة؛ أن الشعوب تعطيك المرة الأولى صوتها وثقتها، فإما أن تكون عند حسن ظن العامة أو أن تنضم إلى القافلة الطويلة التي أشبعت الأمة خطابات وتنظيرات وشعارات تصل إلى عنان السماء، وفي نهاية الأمر أودت بالأمة إلى حضيض الضعف ومستنقع الهوان.
يجب أن يغادر الإسلاميون مسألة أن ينتخبهم الناس لأنهم إسلاميون فقط، فإذا لم يستطيعوا تقديم البديل المقنع الذي يحوز على ثقة المواطنين من حيث القدرة على تجذير الديمقراطية الحقيقية، وتبديل الواقع الاقتصادي البائس، والانتقال إلى مربعات النهوض والقوة والازدهار والرفاه والأمن والحرية الكاملة عبر برنامج عملي يثبت فاعليته في الميدان، فلن ينتخبهم الناس مرة أخرى.