غداً... قد تدخل المملكة المتحدة – التي «كانت» ذات يوم امبراطورية، لا تغيب الشمس عنها–طور التفكك، إذا ما صوّتت غالبية الاسكتلنديين لصالح الاستقلال بعد «307» سنوات من الاتحاد، عندما، اكتشف «الأحفاد» أن الاتحاد الطويل هذا، لم يجلب لهم – ولآبائهم وأجدادهم–ما حلموا به، وان العنصر «الإنجليزي» هو الطاغي، فضلاً عن تعارض في القيم والمبادئ والقراءة السياسية لعالم اليوم، ما بالك التوق الى هوية وطنية خاصة، تطوي صفحة «المركز» واصدار القرارات من لندن، وتمنح الثروة الطبيعية وخصوصاً نفط بحر الشمال لأهلها، بعيداً عن رطانة الوحدة ورومانسية البقاء معاً، وغيرها من الشعارات والوعود التي تم بذلها بسخاء «هذا الأسبوع» عندما «اكتشف» ديفيد كاميرون وحزبه المحافظ ان اسكتلندا في طريقها إلى الانسلاخ عن «المملكة»، محمولة على أخطار لاحقة تهدّدها – في حال حصول الانفصال – وبخاصة من إيرلندا الشمالية وربما مقاطعة ويلز..
هي ليست امبراطورية في واقع الحال، غابت الشمس عنها بعد العدوان الثلاثي في مثل هذه الأيام تقريباً (أكتوبر من العام 1956) بالتواطؤ مع منافساتها الاستعمارية فرنسا، وحكومة بن غوريون الصهيونية في مسعى لهزيمة جمال عبدالناصر وإبعاده عن السلطة بعد تأميم قناة السويس، وبداية سطوع نجم القومية العربية، وتدشين القاهرة مركزاً لدعم حركات التحرر الوطني العربية والإفريقية والأميركية اللاتينية، وخصوصاً في رفض الهيمنة الاستعمارية ودعوة الاستعمار البريطاني والفرنسي للرحيل عن بلاد العرب..
حُكّامها (بريطانيا) «ينفقون» من رصيد و»إرث» الامبراطورية الاستعمارية، التي قارفت من الارتكابات والجرائم ضد شعوب العالم الثالث في آسيا وإفريقيا وبخاصة في بلاد العرب، ما يمنحها مرتبة متقدمة في سلّم أبشع الامبراطورية الظالمة والناهبة والقاتلة عبر التاريخ (تسبقها الآن الولايات المتحدة الأميركية) وكانت في واقع الحال في سباق مع نظيرتها الغربية، نقصد الامبراطورية الفرنسية، التي لم تقل اجراماً وقتلاً ونهباً وسفكاً للدماء عن جارتها الغربية التي يفصل بينهما بحر المانش، لكن «الشماتة» هنا لا قيمة لها في عالم السياسة أو ادوات التحليل، رغم كل ما قارفه المستعمرون البريطانيون من فتن وإثارة للعنف والشحن الطائفي والمذهبي والقومي وتقسيم الدول على «ورق الخرائط» دون أي وازع أخلاقي أو إنساني وكان كل ما هدفوا إليه هو اشعال الحروب بين الدول المتجاورة وداخل البلدان ذاتها وتمزيق «هوياتها» الوطنية والعبث بخصوصياتها الثقافية، والمسّ الصارخ بنسيجها الاجتماعي، على نحو يُبقي الخيوط كلها في يد المُستعْمِر، واذا ما اضطر للرحيل «لهذا السبب او ذاك» فإن الحاجة إليه من قِبَلِ هذه الشعوب، وخصوصاً قيادتها المرتبطة به... تبقى قائمة، ما بالك اذا ما نجح في فرض قيادة عميلة له، ترطن بالوطنية وتُمجّد الشعارات، لكن قرارها يبقى في يد السيد المُستعمِر، الذي لم يرحل سوى «جُنده»، فيما شبكة العملاء و»النبلاء» والمتنفذين والدمى والادوات، يتصدرون المشهد في البلد المُسًتقِلْ (..).
وَعْدُ كاميرون الاسكتلنديين، بمزيد من الحكم اللامركزي والصلاحيات لأدنبرة، جاء مُتأخراً او هو بالفعل جاء تحت ضغط «العار» الذي سيلحق به شخصياً وربما يطيح مستقبله السياسي، اذا ما سَجّل التاريخ ان «المملكة المتحدة» قد تفككت في عهده، وأنه لم يستطع رغم «حجيجه» المستمر الى اسكتلندا (زارها إحدى عشرة مرة) استمالة نسبة من المترددين الذين لم يحسموا امورهم بعد، ولم يقرروا اذا كانوا سيقولون يوم غد الخميس نعم (الاستقلال) ام لا (البقاء في المملكة المتحدة)، أما حكاية التهديدات التي لم تنقطع حتى اللحظة، سواء في رفض استمرار تعامل اسكتلندا بالجنيه «الاسترليني» ام عضوية الاتحاد الاوروبي التي لن تكون تلقائية وسيترتب عليها تقديم طلب انضمام جديد (ستقف لندن وبعض دول الاتحاد ضده) ناهيك عن كيفية اقتسام الديون او حركة الاموال والموظفين وغيرها من الامور المعقدة مثل مصير الاسطول البريطاني المتواجد في مياه اسكتلندا، التي حدد لها العام 2016 كموعد نهائي لطي او حل كل المسائل العالقة.
قد لا يكون لانفصال اسكتلندا الوقع المُدمر الذي يغير المشهد الدولي ويدفع الى تغيير معادلة التحالفات والاصطفافات وموازين القوى الدولية، على النحو الذي أحدثه تفكّك الاتحاد السوفياتي، وبخاصة ان سقوط الاتحاد السوفياتي كان نتيجة عوامل عديدة ليس فقط في ما أُثقل كاهله من أكلاف الحرب الباردة والمؤامرات والاختراقات التي لم تتوقف من قبل المعسكر الرأسمالي وعلى رأسه الولايات المتحدة (وذيلها البريطاني دائماً) وإنما ايضاً في المؤامرة القذرة التي أٌوكِلَت الى سيء السمعة والمصير ميخائيل غورباتشوف لتقويض الاتحاد السوفياتي وتمزيقه تحت شعارات مزيفة ومتهافتة تتحدث عن الغلاسنوست (الشفافية) والبيريسترويكا (إعادة البناء)..
الا انه (استقلال اسكتلندا) سيُغيّر كثيراً في المشهد الاوروبي، رغم ان بريطانيا لم تكن مخلصة للفكرة الاوروبية وكانت على الدوام عينا لواشنطن داخله وكابحاً لتعميق وحدته ومحاولات استقلاله عن واشنطن، وبخاصة في تشجيع الاقاليم والمقاطعات التي تطالب بالاستقلال وبخاصة اقليمي كاتالونيا والباسك في اسبانيا.
انظار العالم شاخصة الى «أدنبرة ولندن» واجراءات «الطلاق» قد تبدأ غداً وقد لا تبدأ.
.. الانتظار لن يطول.
هل تتفكّك «الامبراطورية».. البريطانية؟
أخبار البلد -