في جديد الإئتلاف السوّري المعارض (او هكذا يُسميه مشغّلوه)، أن فخامة الشيخ احمد الجربا، يستعد لترك موقعه «الرفيع» بعد ان أدى قسطه الى العُلى، كون ديمقراطية الائتلاف وتاريخ الجربا النقي والشفاف وخصوصاً الديمقراطي، لا يسمح له البقاء في منصبه لدورة ثالثة، ولهذا فقد أخبر رفاقه (وما ادراك ما هؤلاء) بضرورة «انتخاب» بديل له قبل الثالث من تموز القريب.
عجلة المشاورات دارت في سرعة، فالمهمة نبيلة وإن كانت صعبة كما تعرفون، ورئاسة الائتلاف حيوية، يجب ان لا تشغر، وبخاصة في ظل المرحلة الجديدة التي تعبرها الثورة السورية المظفرة، ليس فقط بعد الثالث من حزيران 2014 التي أبقت الرئيس السوري لفترة ولاية جديدة بعد انتخابات، ظن المعارضون ورهط الممولين والمشغلين والداعمين، أنها لن تجري وان الثوار كفيلون بتحويلها الى صفعة «موجعة» للنظام، بعد أن تيقنوا بان الشعب السوري «معهم» بالكامل، وان النظام الفئوي والمذهبي والطائفي، لن يجد الى جانبه إلاّ الذين سيسوقهم اليه الشبيحة والرعاع، ناهيك عما يمكن لحزب الله وايران ان يتخذوه من اجراءات وترهيب لإجبار جموع اللاجئين السوريين على الذهاب الى السفارة السورية في لبنان،... بل وأيضاً بعد ان اعترفت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الاميركية بعظمة لسانها أن بلادها تزود المعارضة المعتدلة (ومَنْ غير الجربا ونائبه محمد فاروق طيفور وخصوصاً ميشيل كيلو وجورج صبرا يمكن ان يوصف بالاعتدال؟) تزودهم بالاسلحة الفتاكة وغير الفتاكة.
خسارة كبيرة ان يغادرنا الجربا قبل ان تنتصر الثورة، وخسارة فادحة ان يكون وصول الاسلحة الكاسرة للتوازن التي دأب فخامته على مطالبة اصدقائه في الغرب المتنور والديمقراطي، ان يزودوه بها لتعديل الموازين على الارض، متزامناً مع خروجه من موقعه، بعد أن كرّس نفسه رقماً صعباً في المعادلة الاقليمية، وأقام صداقات عميقة مع زعماء العالم الديمقراطي الذين تأثروا بكاريزميته وسعة اطلاعه وانفتاحه، وخصوصاً ايمانه العميق بالديمقراطية والتعددية وعمق تحليلاته وقدرته الفذة على استشراف المستقبل، بدليل دعوته غير المسبوقة في «حكمتها» للسوريين: بأن يبقوا في منازلهم–يوم انتخابات الرئاسة السورية–لأن النظام يُخطط لتفجير سيارات في اماكن الاقتراع.
مؤسف فعلاً ان لا تبقى على رأس الائتلاف شخصية فذة كفخامة الشيخ الجربا، لكن.. ما يُعزّي السوريين الذين عَلّقوا على سيادته آمالاً كبيرة، ان الرجل لن يغادر مربع الثورة، وأنه حتى وهو يعكف على «كتابة مذكراته» ويستعد لتقديم شهادة «للتاريخ» عن تجربته في «الحكم» وانطباعاته عن الرؤساء والوزراء والفعاليات السياسية والدبلوماسية الذين التقى بهم، سيكون موجوداً في الميدان وبين الثوار، ولن يكف عن نشاطه ولقاءاته مع قادة العالم، بعد ان دخل «نواديهم» كشريك اصيل وليس وكيلاً عن احد، وخاصة بعد ان قاد الثورة السورية العظيمة، بدأب ومثابرة ونجح في توجيه ضربات قاصمة للنظام، جعلته يرتعد من مجرد التفكير بالذهاب مرة اخرى الى جنيف (اياً كان الرقم الذي سيحمله) لأن الجربا على وجه الخصوص، أجبره على التراجع حتى بات ظهره على الحائط، ولم يعد امامه سوى تسليم السلطة والاستعداد للمحاكمة، اما غير ذلك فعليه (النظام) ان يدفع ثمن عناده في الميدان، لأن الفرصة الممنوحة لهم قد استنفدت.
لم يكمل برهان غليون مذكراته بعد، لأنه–ربما–بات يشعر ان فرصته للوصول الى رئاسة الائتلاف (الذي هو أهم من مجلس اسطنبول الذي ترأّسه ذات يوم) ما تزال قائمة، اذا ما احتاج المُشغِلّون الى شخصية غير تلك التي جربوها وظهر انها لا تستطيع توفير البضاعة (نقصد الجربا هنا) وقد ينافس الثوري «الغاضب ابداً» جورج صبرا، على رئاسة الائتلاف اذا ما استشعر الرعاة حاجة لشخصية طائفية (لزوم المرحلة) او كأن رياض حجاب (هل تذكرون سيادته؟) هو الأوفر حظاً للوصول الى رئاسة الائتلاف ليس فقط، لأنه فشل أمام الجربا بفارق 13 صوتاً فقط، (65 الى 52) بل وايضاً لأن رئيس الوزراء المُنشّق، استبد به اليأس وبات نادماً على خطوته الانشقاقية التي شجعته عليها بعض الجهات الاقليمية والدولية، واعدة اياه بترؤس المعارضة، فاذا به في النهاية يستجدي تأشيرات السفارات؟
ماذا سيفعل الجربا بعد ان يفقد امتيازات الموقع؟
اسألوا مندوب الاخوان المسلمين في ائتلاف اسطنبول فاروق طيفور الذي يقول بحسم: أنه لا يوجد مرشح بارز لخلافة الجربا (يقصد رياض حجاب). ولا تنسوا بالطبع المفاجأة التي فجّرها هيثم المالح رئيس اللجنة القانونية في إئتلاف اسطنبول عندما قال ان هناك خطوات جادة تجري لتأسيس «تجمع» جديد للمعارضة السورية يكون «بديلاً» عن الإئتلاف.
.. تصبحون على «تجمع» جديد.
kharroub@jpf.com.jo