في بداية ستينيات القرن الماضي كانت العلاقات الأردنية المصرية سيئة وكان معظم الطلبة الأردنيين يدرسون في القاهرة ويبدو أن مصر استخدمت ذلك في التضييق على الأردن فتم القرار بضرورة إنشاء الجامعة الأردنية.
ولم يلق المشروع حماسا في البداية لضعف موارد البلاد المالية وصغر حجمه (في حجم بعض الورد، بتشبيه سعيد عقل التي شدَت بها فيروز للاردن). وبعد سنوات تبين كم كان متخذ القرار الأردني مصيبًا في إنشاء الجامعة التي خرَّجت حتى الآن أكثر من 200 الف طالب أصبحوا مسؤولين ورجال أعمال، فكان نجاحها حافزا لإنشاء المزيد من الجامعات التي استقطبت عشرات آلاف الطلبة من الدول الخليجية وغيرها.
وأشعر أن المناهضين للمشروع النووي الأردني هم كمناهضي مشروع إنشاء الجامعة الأردنية قبل نصف قرن. وكثير من حججهم تبدو وجيهة للوهلة الأولى لكن إذا جرى حوار علمي معهم فمن السهل تفنيد حججهم. ومن الحجج التي يسوقونها فشل مشروع الباص السريع لكن يتناسون نجاح "الملكية الأردنية" التي أُنشئت بالتزامن تقريبا مع إنشاء الجامعة الأردنية، على مدى نصف قرن في حمل العلم الأردني سفيرا فوق العادة لا ينام في جميع قارات العالم.
إن تعثر مشروع الباص السريع ونجاح "الملكية الأردنية" سببه بسيط أن في المشروع الأول لا يتم التحقق من الكفاءة وتكثر الوساطة وإغراء العمولات أما عند تعيين قائد طائرة فالأهم الكفاءة ومتطلباتها المحسوبة بدقة فثمن الطائرة (ربع مليار دولار) ومئات الأرواح على متنها لا يسمح بتعيين أقارب وأنسباء وأبناء أعضاء مجلس الإدارة إذا لم يكونوا طيارين محترفين.
وهكذا سيكون الأمر مع جميع العاملين في المحطة النووية الأردنية.
إن أول كمبيوتر تم تصنيعه بكفاءة، الكمبيوتر المحمول حاليا، كان حجمه بحجم ملعب كرة قدم ومع مرور الأيام و"النانو تكنولوجي" أي التكنولوجيا المتناهية الصغر، اصبح مع أغلب الطلبة كمبيوترات "لاب توب" يتصاغر حجمها سنويا. والتكنولوجيا النووية لا تختلف عن أي تكنولوجيا أخرى، فحجم المحطات النووية أصبح أصغر حجما وفي طريقه لمزيد من الصغر أيضا.
الأردن مليء بالكفاءات الكامنة وهذه الكفاءات كالجماهير عموما، كسيل الماء يمكن أن تدمر وتكتسح كل ما يصادفها في الطريق أو يمكن عمل سدود لها لتخزين المياه وإفلات طاقتها بتحكم وهنا تكون مفيدة أو كالطاقة النووية التي تحدث انفجارا حرارته جزء من نار صَقَر أو يتم التحكم بالتفاعل التسلسل فينتج الطاقة السلمية التي تتحول إلى كهرباء تضيء ملايين المنازل.
الكفاءة والتحكم هما محور نجاح المشروع النووي.