في 26 أيار من العام 1948 وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على تسمية الجيش بجيش الدفاع للإيحاء بفكرة أن دور الجيش هو الدفاع عن إسرائيل. أما بالنسبة للخدمة العسكرية في إسرائيل فهي إلزامية لكل أنثى وذكر فوق سن 18 سنة (مدة الخدمة 2-3 سنوات) ويبلغ عدد هؤلاء المجندين سنوياً حوالي مليون ونصف مواطن.
الجندي النظامي في الجيش الإسرائيلي هو من اختار الجندية كمهنة له بعد انتهاء الخدمة العسكرية الإجبارية، ويبلغ عدد هؤلاء 180 ألفاً. أما اذا قررت كمواطن إسرائيلي بعد إنتهاء الخدمة العسكرية الإجبارية أن تكمل دراستك كمحام أو طبيب...... الخ فيجب عليك أن تخدم في الجيش الإسرائيلي شهراً من كل عام حتى تبلغ 51 سنة من العمر. يتباهى هذا الجيش بـ «طهارة السلاح» أي أنه لا يقتل مدنياً ويتحاشى ذلك في معاركه الحربية، وهو نفس الجيش الذي احتل غزة وانسحب منها، ليحاصرها ويمنع عنها الماء والدواء والغذاء ويدكها بقنابله ودباباته في أكثر من مناسبة فيقتل ويشرد الآلاف.
اتفاقية جنيف أقرت بمشروعية مقاومة الاحتلال ولكن يبدو أن هنالك فقرة أضيفت بدون علم الأمم المتحدة وهذه الفقرة المضافة تقول: «ماعدا جيش الاحتلال الإسرائيلي» منذ ألان فصاعداً يجب على كل جندي وضابط إسرائيلي أن يحمل فوق صدره وفوق دبابته وفوق طائرته عبارة: «أرجوك لا تلمسني فأنا جندي». هل رأيتم القناص في جيش الدفاع الإسرائيلي وهو يتباهى بقتل 12 طفلاً من غزة؟ العالم كله «يشلط» كلما تم اسر جندي إسرائيلي في مواجهة عسكرية بين الشعب المحتل وبين جيش الاحتلال. في فرنسا عندما حارب الشعب الفرنسي ضد الاحتلال النازي أسموهم مقاتلوا الحرية أما من يأسر جندياُ إسرائيلياً فهو إرهابي. أنا لست حمساوياً ولست فتحاوياً ولست من الإخوان المسلمين أو الإخوان المسيحيين أو من الشيوعيين المتأصلين أنا فقط عربي، مواطن عربي، إنسان عربي يملأ الغيظ قلبه وصدره ويفيض حتى مآقي العيون التي تهطل منها الدموع وأنا أرى طفلة بنصف رأس اقتلعت نصفه الأخر شظية، أو طفل صغير بعين واحدة مرت بها رصاصة غادرة... أو أربعة أطفال يلهون على شاطئ غزة فيتناثرون أشلاء نتيجة إطلاق قذيفة حارقة من طائرة عابرة... أو رجل عجوز يهذي وابنه يحمله فوق ظهره عدواً خوفاً من قنبلة غادرة... أو رجل يحمل جثة ابنه الرضيع ويهزه صارخاً: «يابا، يابا، اصحى رد علي»... أو امرأة تنظر يمنة ويسره والدم يلطخ ملابسها وتصرخ... «ابني راح..راح ابني». أتخيل نفسي ومعي أفراد عائلتي نهرب من ركام بيتنا الذي شقينا طول عمرنا في بنائه... نهرب إلى الظلام الدامس، نتقوقع في ظل جدار واقف وابنتي تطلب مني ماءً لتشرب. أي ماء وأي حطام ونحن لا نرى شيئاً وننتظر أن يسقط فوق رأسنا شيء ما، غاز سام، شظايا، فسفور أبيض، نابالم، دمدم أو ورقة تطلب منا مغادرة المكان وإلا فسوف يذهبون بنا إلى أفران الغاز. أي هولوكوست هذا وأي إنسانية وأي ألهه.
أنا طبيب أقوم بإجراء عمليات جراحية لساعات طويلة لإنقاذ حياة إنسان واحد وعندما تنتهي العملية الجراحية وأطالع أرقام شهداء غزة 300، تسعمائة، 1600 فأقول يا ربي أنهم يقتلونهم بأسرع مما ننقذ... فأشم رائحة الجثث المتحللة تحت الأنقاض واسمع صراخ جريح يعاني سكرات الموت...... أتخيل الشاب المقدسي الذي حرقوه حياً... والشاب الذي كسروا عظام كتفه بالحجارة حتى لا يستخدمها ثانية... أتخيل ملجأ الأنوروا في غزة كما مركز الأمم المتحدة في جنوب لبنان قبل سنوات يهدمه الإسرائيليون فوق رؤوس من فيه ومندوب الأنوروا يكشف ومندوب الأمم المتحدة يقر بأن إسرائيل هي المسؤولة وأن إسرائيل كانت تعلم فيأتي الفيتو الأمريكي «حتى لا تتعطل عملية السلام». الموضوع ليس حماس وليس الإخوان المسلمون وليس... وليس... الموضوع هو شعب أعزل يُقتل عن سابق ترصد وتصميم ونحن والعالم نراقب. أتخيل أنني امرأة فلسطينية من غزة.. اغتصبها كل اليهود.. الواحد تلو الأخر.. أمام عيون العالم. يا لحياتي، يا لعاري يا لمماتي.