انتظرت أوساط سياسية وإعلامية طويلا قبل أن تسمع من الحركة الإسلامية في الأردن موقفا من تنظيم "داعش" الذي سيطر مؤخرا على مناطق واسعة في العراق وسورية، وأعلن عن إقامة دولة الخلافة. قبل أيام قليلة، صدر بيان مقتضب عن حزب جبهة العمل الإسلامي؛ الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، دان فيه ترحيل المسيحيين من العراق، وإشار إلى التاريخ الطويل من التعايش في المنطقة.
لم يذكر البيان مدينة الموصل التي شهدت أكبر عملية تهجير للمسيحيين في الشرق منذ الحرب العالمية الأولى، كما لم يأت على ذكر "داعش" بوصفها الجماعة المسؤولة عن هذه الجريمة؛ لا بل إن التصريح تعمد التعميم بالقول "بغض النظر عن الجهة التي تقف وراء هذه الممارسات".
ليس هذا فحسب؛ لغة التصريح في العموم كانت مواربة وطرية، وتجاهلت أمورا أساسية كان من المفترض بحركة سياسية ناضجة، ترفع شعار الدولة المدنية وتنادي بالديمقراطية، أن تتخذ موقفا صريحا وواضحا منها.
لم يقل الإسلاميون في تصريحهم ما هو موقفهم من جرائم "داعش" بحق سكان الموصل، وعموم المناطق التي يحكمونها في العراق وسورية؛ السنة قبل المسيحيين، والشيعة قبل الشبك. ما هو موقفهم من نظام الحكم الذي أسسته "داعش" وخليفتها البغدادي؟ ورأيهم في المحاكم الميدانية، والقتل على الهوية، ومنع الناس من الخروج إلى الشوارع، وفرض نمط حياة "طالباني" على أهالي الموصل، وختان النساء، وغيرها الكثير الكثير من الممارسات التي تتناقض مع أبسط قواعد حقوق الإنسان في العالم، وتطبيقها كفيل بعودة العرب إلى العصر الحجري.
كل ذلك ليس مجرد مواقف مسيئة "تنجر" لها المقاومة في العراق كما جاء في التصريح، بل نهج تتبناه "داعش" عن سابق معرفة وتصميم.
الإسلام السياسي في العالم السني أمام معركة وجود، لا تنفع معها اللغة الرمادية التي تسيطر على خطاب بعض حركاته. عليهم أن يكونوا واضحين، وإلا فإن قطاعات واسعة من الشعب ستصنفهم في خانة "داعش"، وعندها سيكون الخوف من وصولهم للسلطة أو حتى مشاركتهم في الحياة السياسية مبررا.
هناك في أوساط الحركة الإسلامية من لا يريد إعلان موقف ضد "داعش" كي لا يوظف هذا الموقف سياسيا من أطراف طائفية تحكم في العراق وسورية. وثمة اعتقاد لدى البعض أن المعركة ضد الحكم الطائفي في العراق حاليا أولوية، يمكن من أجلها التغاضي عن بعض الظواهر السلبية فيما يعتقد أنها ثورة سُنّية ضد الظلم.
لكن الحقيقة خلاف ذلك تماما؛ "داعش" غير معنية بحقوق السُنّة في العملية السياسية في العراق، وإنما بفرض أجندتها المتطرفة على البلاد كلها؛ تصفية الشيعة، وإنشاء إمارة إسلامية على غرار إمارة طالبان. هل هذا ما يريده الإخوان المسلمون؟!
لقد واجهت حركات الإسلام السياسي في الأردن ومصر وعموم الدول العربية، تحديا غير مسبوق بعد تجربة الإخوان في مصر، وإطاحة الجيش بحكم محمد مرسي. وقفزت إلى السطح أسئلة كبرى حول مستقبل الإسلام السياسي وأخطاء التجربة الأولى. وواجه الإسلاميون اتهامات من قبيل أنهم تيار إقصائي، يسعى إلى فرض نموذجه على الشعوب.
ظهور "داعش" وأخواتها من الجماعات الإرهابية المتطرفة، كان فرصة الإسلاميين لتظهير موقفهم، وتمييز أنفسهم بوصفهم جماعة سياسية تؤمن بالتعددية والتداول السلمي للسلطة، لا دولة الخلافة التي هي نموذج حكم من الماضي، مثلها مثل الإمبراطوريات التي سادت في قرون ماضية.
إنها لحظة الإسلاميين؛ إن لم يستغلوها للتعريف بأنفسهم، فستنقلب اللحظة ضدهم.