صحيح أن هنالك حراكا سياسيا وشعبيا متواصلا في الأردن من أجل المضي نحو الإصلاح السياسي للمرة الأولى منذ 22 سنة ، ولكن هذه الحركة السريعة لا تبدو حتى الآن منظمة أو قادرة على تحقيق الحد المطلوب من التوافق والزخم الذي يساهم في الارتقاء نحو الخطوة القادمة من التطور السياسي الديمقراطي في الأردن.
السبب الرئيسي في هذه الحالة هو التأخر الكبير في إطلاق برامج الإصلاح السياسي في البلاد والتردد الذي تعاملت به القوى السياسية الأردنية مع طروحات الإصلاح التي بدأت منذ عدة سنوات وتم تأجيلها والتسويف في الالتزام بها تحت عدة حجج منها "عدم جاهزية الدولة والمجتمع" أو "الحاجة إلى إصلاح من الداخل" أو "جدل الهوية والهوية المضادة" أو "الخصوصية الأردنية" أو التخوف من سيطرة الإسلاميين ، بينما كان السبب الرئيسي هو عدم رغبة الكثير من القوى المتنفذة في السير نحو الإصلاح تخوفا من خسارة المكتسبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتاحة لهذه القوى.
الآن نحن في حالة غير مثالية. تراكم الضغوطات الاقتصادية والسياسية والتسارع في التغيير الإقليمي وارتفاع سقوف المطالبات السياسية المختلطة بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية الضيقة وظهور المظالم الإدارية والسياسية من قبل العديد من الفئات يجعل إدارة كل هذه المطالب والطروحات المتناقضة مسألة في غاية الصعوبة ، وهذا لن يؤدي إلى منتج دقيق وشمولي من خطوات الإصلاح التي تتمتع بقناعة وملكية عامة بل إلى خطوات سريعة وربما غير مدروسة لاحتواء الأزمات ومنها زيادة التزامات الإنفاق الحكومي العام في سياق موازنة مضغوطة وتعاني من تفاقم العجز.
لقد خسرنا في السنوات السابقة عدة فرص كانت متاحة لإصلاح منظم وهادئ وتراكمي وخاصة الأجندة الوطنية في العام 2005 والتي واجهت الكثير من الاعتراضات والانتقادات من جهات وشخصيات سياسية تحاول اليوم ركوب موجة الإصلاح تحقيقا لمكاسب شعبية.
أما الفرصة السانحة الثانية فكانت حل مجلس النواب السابق من قبل جلالة الملك قبل عامين والتي أضاعتها الحكومة السابقة في عدم إجراء حوار سياسي مفتوح لإصدار قانون حديث وتوافقي للانتخابات بل أصرت على الصوت الواحد وأضافت إليه تفصيلا سيئا وهو الدوائر الفرعية وتم ذلك في غرف مغلقة وبمعزل عن المشاركة السياسية والشعبية.
نحن في حالة مضطربة وغير صحية من الناحية السياسية. مجلس النواب يناقش البيان الوزاري لحكومة تعد بالكثير من الإجراءات الصحيحة وغير المسبوقة من أجل الإصلاح السياسي والاقتصادي وقامت بالفعل بخطوات جيدة ولكن مزاج المجلس سلبي ويهدد حتى بإمكانية حجب الثقة من قبل نفس المجلس الذي منح ثقة مهولة وغير مبررة للحكومة السابقة بدون تبرير سياسي مقنع.
وفي نفس الوقت نجد يوميا مقالات وبيانات وتصريحات ومطالبات مختلفة بالإصلاح ولكن بدون تنسيق أو توافق على المبادئ العامة وهذا ما يعيد الكرة إلى ملعب الحكومة التي سوف تقوم بتنسيق سلسلة حوارات مع القوى السياسية ولكن من الأفضل قيام هذه القوى نفسها بالوصول إلى اتفاق حول المبادئ الأساسية المطلوبة والتي لا خلاف عليها وهذا أفضل للجميع قبل أن يبدأ الحوار مع الحكومة والذي سوف يتضمن التفاصيل الإجرائية والفترات الزمنية المطلوبة.
نحن بحاجة إلى الهدوء والتخطيط والتحول من فزعة البيانات إلى عملية أكثر تنظيما تتضمن توثيق وتحديد كافة المقترحات المطروحة حول الإصلاح وما هي العناصر المشتركة وما هي المحاور المختلف عليها وبدء الحوار من المبادئ المشتركة وصولا إلى تجاوز القضايا الإشكالية وتحقيق توافقات حولها.
هنالك قوى سياسية تقليدية ومستجدة قدمت تصوراتها ولكن ما زالت هنالك تيارات ومجموعات شبابية واجتماعية تتطلع إلى مستقبل عصري وحديث للأردن وما زالت غير منظمة ولم تتمكن من طرح أفكارها بشكل جماعي ومؤسسي بالرغم من أنها تمتلك تصورا متكاملا حول أنماط الإصلاحات التشريعية والإدارية المطلوبة ومن المهم أن لا تبقى صامتة بينما يتحدث الجميع،.