تسعى دولةٌ خليجية كانت سجلت واحدة من أعلى معدلات ضحايا الطرق بسبب تجاوز الإشارة الحمراء، تسعى الآن لإدخال تعديل على قوانين السير لاعتبار مخالفة قطع الإشارة الحمراء جريمة شروع في القتل.
ذات الدولة كانت قد أعيتها كل الجهود والأفكار، ولم تعدم الحيل لمكافحة ظاهرة قطع الإشارة، بالكاميرات والمراقبة والمخالفات والمغالاة في الغرامات المالية.. كل تلك الوسائل لم تُجد ولم تؤد إلا إلى ارتفاع مُطرد بأعداد الحوادث والضحايا وتفاقم الأزمة.
هي فعلاً ..شروعٌ في القتل إذا ما نظرنا للفعل كانتهاك للطريق، وما له من أثر مباشر على الآخرين وسلامتهم، إضافة لكونه محاولة انتحار بكل المعايير.. فكيف إذن وقد سجلنا في الأردن واحدة من النسب المرتفعة أيضاً لا تقل عن دول عربية ضليعة شعوبها في انتهاك الإشارة الحمراء ..ما نزال نغضُ أبصارَنا عن المأساة، بل لا نقوى بكل أجهزتنا التشريعية والتنفيذية والأمنية على الارتقاء بالعقوبة لتقابل جزءا من خطر الفعل (الجريمة).
في الأردن، ليست الإشارة الحمراء فقط ما تفتقد لقوانين رادعة لانتهاكها، بل سلسلة جرائم أخرى بالغة الوضوح لا تجد قانوناً ينتصر لمجابهتها، أو حتى التقليل منها في مجتمع آلت تعقيداتُه وتداخلاتُه الاجتماعية وظروفُه الاقتصادية وهجراتُ الجوار، إلى جرائمَ جديدة تدق نواقيس الخطر، فيما المسؤولون العائمون في نعم المناصب ومكاسب الوظيفة لا يبرحون تصريحاتهم بأن "هذه الجرائم غريبة عن مجتمعنا وتقاليده الأصيلة".
لم تعد غريبة.. بل تأصلت في سلوكيات يومية بتنا نستغرب إن غابت في الشوارع، وعلى البسطات وأمام المحال ومن وراء نوافذ السيارات المسرعة وعلى الطرق، وفي المدارس وعند أبوابها وداخل حرم الجامعات وفي أقسام الطوارئ وفي غرف العمليات وفي المساجد.
في غياب قانون يُجَرّم سرقة السيارات لا بد للظاهرة أن تستعر لتصبح سلوكاً يومياً يؤدي بنا للتجاوب مع السارقين وشروطهم المالية ونعود بسياراتنا المسروقة متندرين بما رأينا من مشاهد تقترب لأن تكون فيلماً سينمائياً.
في غياب عقوبات رادعة ومغلظة في القوانين الغائبة أو المُغيبة، لا يمكن للعنف الجامعي ان يغيب، ولا للاعتداء على الكوادر الطبية ولا للضرب المُبرح المؤدي إلى عاهات دائمة في المدارس بداعي الحزم في أساليب التربية.
وبمعزل عن قانون للمساءلة الطبية والتجاوزات المهنية بين صفوف محامين والتفتيش في الأداء العام للموظفين، وتقاعسهم عن خدمة المواطن، وقانون لمحاسبة سوء استغلال السلطة لن يعتدل الميزان.
دون قانون رادع لمراقبة الأسعار وحماية المستهلك، ومراقبة ارتفاع رسوم المدارس الخاصة وتجاوز لوائح قيمة كشفيات أطباء الأسنان، والتعرف على أسباب التفاوت الهائل في أسعار (حبة الفلافل) في مطاعم عمان، لن يشعر المواطن بأنه الأولوية وجوهر اهتمام الحكومة كما تدعي.
لا قانون يحمي الأرصفة ممن سرقوها منا، ولا قوانين تحمينا من المتحفزين الجاهزين دوما لاستنزافنا برسوم الوقوف في شوارع عامة تحت مسمى (الفاليه)، ولا قوانين تحمي صحتنا من تلوث المقاهي التي رخصتها الأمانة بجوار غرف نومنا، ولا من عوادم السيارات والمصانع.
وطبعاً لا قانون يعالج اختلالات الأخلاق العامة التي أدت إلى كل ما نراه الآن من مآسٍ، ففي غياب القانون وانشغال من يُشرعونَ له بأشيائهم..لا أملْ!