كما،يتم صناعة» المقدوس» و»المهلبيّة»،بتنا نرى في زماننا «جهات» و»مؤسسات» و»معاهد» و»أفرادا» مهمتهم «صناعة الخوَنة»،وتأهيلهم ـ حلوة تأهيلهم ـ،للقيام بدور «فاعل» ضد امّتهم وضد مجتمعهم وحتى ضد أصدقائهم.
وفي الكتب والتاريخ والموروث الشعبي،هناك العشرات من النماذج التي حصلت على لقب»خائن» بامتياز ،ومرتبة «سافل».
فثمة»خائنٌ تتمّ صناعته من الأعداء باحترافية وبمهارة، ويتمّ تصديره إليك وترويج أفكاره حتى يصبح وجهًا مألوفًا - ومقبولا لدى البعض- ليعمل تحت الضوء بصفات وأسماء مختلفة.
يتمّ تلميع الخيانة ..حتّى تصبح: وجهة نظر.
تتسرّب إليك عبر عبارات أنيقة ورائجة، وأحيانًا عبر بعض القيم الانسانية!
وكما ان كثيرا من الاشياء في حياتنا تم تطويرها ،فقد انتهى الخائن التقليديّ.. وصار لدينا «خائن/حداثي» و»خائن/أكثر حداثة» وهكذا.
كان «الخائن التقليدي يدلّ الاعداء على الطريق... يفتح لهم باب القلعة... يدلّهم كما في الأفلام، على كلمة السرّ.
الخائن الحديث يصنع الطريق والثغرة... يجعلهم يتجوّلون داخل القلعة كأصدقاء... ويجعلك تعتاد على هذا الامر، وتنظر إليه كشخص له قيمته، ومقامه، ومؤسّسته المدعومة من الخارج، وصورته اللامعةبالفلاشات المستأجرة، وهو يستلم الجائزة المشبوهة!
تذكرون،»أبو رغال» هو أحد رموز الخيانة العربية القديمة، بل إنّ العرب صارت تنعت كل خائن بـ أبي رغال ، حتى أصبح اسمه مرادفًا للخيانة.
وعندما قرّر أبرهة الحبشيّ»الأشرم» غزو الكعبة وهدمها، بحث عن دليلٍ عربيٍّ يدلّه على طريق مكة، جميع من عرض عليهم هذا الامر من العرب رفضوا رغم الاغراءات والتهديدات، إلى أنْ وصل إلى أبي رغال الذي وافق مقابل أجر معلوم ليكون دليلاً لجيوش أبرهة.
ظلّت العرب لقرون، (منذ الجاهلية)، وهي ترجم قبره لانها تحتقر الخيانة والخونة، بل لإنهم قبل الاسلام، جعلوا رجم قبره «جزءًا من شعائر الحج»ّ.
المشكلة ليست في الخونة ـ البعيدين ـ عنك،بل فيمن حولك،والذين ينطبق عليهم قول المتنبي:
«وسوى الرّوم خلف ظهرك رومٌ/
فعلى أي جانبيك تميل»...!