الحالة الأردنية 1
بعد النتائج التي أحرزها التيار الإسلامي على الساحة المحلية، وليس آخرها نقابة المعلمين، واتحادات الطلبة في الجامعات الأردنية، فإن هذا يجعل تلك الحالة في دائرة الاستهداف بالدراسة والمتابعة والاهتمام بالتحليل والتشخيص، وقراءة المشهد الأردني من جهات محلية وإقليمية ودولية، ولا يغيب عن البال أن هناك مراكز أبحاث ودراسات ترقب كل حركة وسكنة في تحولات المجتمع، بل وصل الأمر لدراسة حالة المصلين الذين يستمعون لخطبة الجمعة، وكيف كانت إيماءات وجوههم وانفعالاتهم وهم يخرجون من بوابة المسجد ؟ فكيف بالتحوّل العملي على الأرض والوصول لمواقع متقدمة في إدارة شؤون البلاد ؟!
تحديد المصطلحات: لابد أن نحدّد بعض المصطلحات التي ترد في ثنايا هذه الحلقات وهما: صناع القرار، والإسلاميين، ولا شك أن لكلًّ رؤيته واستراتيجيته، وأدواته وأذرعه وآليات عمله... قد تتشابه وقد تتداخل، وقد تتعارض أحيانًا.
أمّا صُنّاع القرار فهم، رأس الهرم ورجاله، ومفكّروه ومستشاروه وإعلامه، وأجهزته المختلفة، مدنية وعسكرية، منهم المرئي وأغلبهم غير مرئي، ولكن له دور ورأي وكلمة... ويمتلك مؤسسات منوعة ذات تاريخ تراكمي في الرّصد والمتابعة والتقويم.
أمّا الإسلامي فهو يمثّل التيار الإسلامي عموماً، التيار الذي يعنى بالشأن العام، وتثبيت عوامل الوعي والإيمان في نفوس الناس لتتحول إلى واقع حياتي مُعاش... وهناك تجمعات إسلامية في الساحة المحلية لا تتبنّى العمل السياسي أو النقابي أو المطلبي، وإنما تركز على الدعوة وتبليغ الرسالة ولا تمنع أفرادها – كأفراد – من المشاركة في الفعل السياسي، وهناك قوى إسلامية محدودة التأثر ترفض بالكلية العمل السياسي والديمقراطي والعمل العام.
على العموم هذا التيار الإسلامي الوسطي الفاعل يفتح أبوابه لتحالفات مع القوى المحلية، جماعات أو أفراد كوجهاء ورموز وشخصيات مستقلة وازنة، ورموز عشائرية نقية نظيفة السيرة والفكرة، وربما يؤمن أغلب هؤلاء بالمشروع الإسلامي فكراً وممارسةً ويندفعون للتحالف والتنسيق مع التيار الإسلامي لأنه الأسلم والأحكم والأقرب لفطرتهم وتربيتهم.
ولهذا التيار مشروعاته ومؤسساته الشورية المنتخبة، وقياداته الميدانية التي تسعى إلى إحراز مواقع متقدمة وتحقيق مكتسبات قانونية أو دستورية، وإصلاحات على مستوى الفرد والدولة والسلطات الثلاث.
لاشك أن التيار الإسلامي له قراءته حول نتائجه في الانتخابات التمثيلية سواء لقطاعات عامة أو محددة.. عمالية، مهنية، طلابية، تشريعية... وربما أيضاً له أهداف قريبة أو بعيدة من هذه المشاركة أو التمثيل، وكذلك في حالة المقاطعة والتّجافي له أهداف، ويتم ذلك في كلا الأمريْن بعد دراسة مستفيضة متأنية شورية، واستطلاعات واستمزاج رأي الشارع، وفي المحصّلة ليس الأمر أيّاً كان في دائرة الحرمة وإنما ضمن دائرة الاجتهاد وترجيح المصلحة أو المفسدة وتغليب المصلحة الوطنية العليا سواء للشعب أو لمستقبل التيار الإسلامي.
رؤية الإسلاميين وحلفائهم للمشاركة:
يرى الإسلاميون أن المشاركة الواسعة سواء في السلطات الثلاث، أو الانتخابات المهنية أو الطلابية واردة، وممكنة ومأمونة، إذا توافرت لها مجموعة من الضمانات والمعايير، وبكل تأكيد أن لكل سلطة من السلطات الثلاث، ولكل نوع من الانتخابات معاييره الخاصة، ومشاركته النوعية، لكن يُرَكَّز دائماً في الانتخابات على أن تتيح القوانين والاجراءات المتعلقة بسير العملية الانتخابية، جوّاً مريحاً ومشجعاً على المشاركة، وذلك كحد أدنى من النزاهة والموضوعية والشفافية والحيادية واحترام إرادة الناخب وصوته، ولعل هذا التيار قد مرّ بتجارب خلال سيرته كان لها الأثر السلبي المرير من قوى تتربص بالإيقاع به وإفشاله وحصوله على أقل من مستوى تمثيله الحقيقي للقواعد الانتخابية.
أمر آخر يطرحه هذا التيار وهو أن يُتاح للفائزين القدرة على صناعة تحوّل إيجابي وإنجاز خدمة واضحة للعيان في القطاع الذي يمثله، ولعل الجانب الإعلامي المضاد إذا سُلِّطَ على فئة مستهدفة فهنا قد وضعنا العصا في الدولاب والعربة أمام الحصان، وبدأنا في عرقلة المسيرة وإفشال المشاركة، والملاحظ أيضاً أن التيار الإسلامي وتحالفاته وعبر تاريخه الطويل لم يقاطع الانتخابات في النقابات المهنية، مع مشاركة رمزية في النقابات العمالية، والتردد أحياناً ومقاطعة لبعض المجالس النيابية، ربما لأسباب أن بعض النقابات صورية وشكلية وخاصة في الجانب العمّالي، وبعض إداراتها متوارثة أو تُفْرَز في دوائر معروفة، وأثرها في جانب العمل والعمال ضعيف جداً، أما مقاطعة المجالس النيابية فواضح للجميع أن القوانين التي تُفرِز هذه المجالس لا تعطي إلا هامشاً ضيقاً لنسبة الفائزين من خلال قانون الصوت المجزوء الفريد في تاريخ دول العالم "قانون الصوت الواحد".
على العموم هنالك منطلقات رئيسة لدى التيار الإسلامي من المشاركة؛ منها: خدمة المجتمع بوجوه إسلامية ووطنية نظيفة، واعتبار هذا المنحى وسيلة من وسائل الدعوة والترغيب بالحل الإسلامي والمنهج الإسلامي، وتقديم صورة واقعية تطبيقية للنموذج الإسلامي سواء على مستوى الأفراد أو الأفكار والتوجهات.
وبكل تأكيد – حسب فهمي – لا يدور في خلد التيار الإسلامي ومنظّريه فكرة المغالبة أو الثأرية أو الانتصار أو مزاحمة الآخرين أو الاقصاء والاستفراد أو أننا هنا.. انظروا إلينا، كل هذه التصورات أقل من أن تفكر بها الحركة الإسلامية بل همّها الرئيس إنشاء وتمكين لأجواء لا يُصنع فيها الاستبداد واحتكار الحقيقة وإلغاء الآخر.. فهي حركة مدنية شعبية موجودة على الأرض متجذّرة في كافة ثنايا المجتمع، وصلاح المجتمع وخدمته من أبرز الأهداف الاستراتيجية التي تسعى إليها.
أمر آخر لا يغيب عن البال وهو أن التيار الإسلامي يهدف من وراء المشاركة إلى إنشاء وتكوين وصناعة قيادات واعية، تتدرب وتمارس الإدارة واتخاذ القرار وتحمل المسؤولية والتعرف عن قرب، ومن خلال الممارسة العملية على إدارة مؤسسات المجتمع ومؤسسات الدولة، فإقامة المجتمع الرشد العادل، لا يتأتّى من فراغ ولا يأتي على طبق من ذهب بل لابد من الإعداد والتخطيط وصناعة القادة والمبدعين والمؤثرين ورجال الدولة