أخبار البلد-جمانه غنيمات
كلما اقترب موعد لقاء "الكلاسيكو" الأردني، زاد التوتر، ولاحت في الأفق مخاوف من مواجهة بين الفريقين، تحاول تقسيم المجتمع تبعاً للأصول والمنابت؛ ولتكونَ المباراة بذلك عرضاً لأمراض تنخر في المجتمع.
مواجهة الفيصلي والوحدات، أضحت، وللأسف، عنوانا للتقسيم وليس الوحدة؛ حيث يُسمَع تبادل الشعارات الإقليمية من جمهورَيّ الفريقين، في انعكاس خطير لمواقف سياسيين يتلاعبون بالخطوط الحمراء.
الأبواب التي تجلب الهواجس كثيرة ومختلفة، منها حديث سياسيين ما فتئوا يحاولون النخر في علاقة مكونات المجتمع بعضها ببعض؛ فتعلو أصواتهم للتحذير من مخاوف وتهديدات تمحو هوية الأردن، لكأنه بلد هش ضعيف غير قادر على حماية نفسه!
هؤلاء الساسة إنما يسعون إلى منبر يحفظ لهم مواقعهم ومراكزهم، وأداء دور يبقيهم في الواجهة، مستخدمين في ذلك أخطر الأدوات لتحقيق غاياتهم؛ عبر اللعب على وتر شديد الحساسية والخطورة، مثيرين من خلال ذلك المخاوف والغرائز لدى العامة، ومؤججين لمشاعرهم.
محاسبة كل من يسعى إلى إثارة الفرقة في تركيبة المجتمع، باتت أمرا مطلوبا، في ظل تزايد هذه الجريمة في الآونة الأخيرة. والحديث ليس عن فريق دون الآخر، فالأصوات النشاز تخرج من كليهما.
رئيس اتحاد كرة القدم الأمير علي بن الحسين، كان محقا حين حذر في البيان الصحفي الذي أصدره أول من أمس، من الخلط بين السياسة والرياضة، مطالبا بعدم إقحام الأولى في الثانية، لما يترتب على ذلك من تبعات خطيرة، تتجاوز شغب الملاعب إلى اللعب على وتر الوحدة الوطنية.
وفي ظل تكاثر التهديدات الخارجية والمحلية، يبدو من الحكمة القفز عن كل الكلام الرسمي المتعلق بماهية العلاقة الأردنية-الفلسطينية، والوقوف على حقيقة هذه العلاقة؛ بما تحمله من هواجس متبادلة بين الجانبين، سعياً إلى معالجة هذه الهواجس، في سبيل إصلاح وتمتين البيت الداخلي في مواجهة التحديات الكثيرة والكبيرة.
العلاقة هشة إلى درجة أن التفكير بمنح حقوق مدنية أو "امتيازات خدمية" لأبناء الأردنيات، كما يحلو للحكومة تسميتها، يعيدنا إلى المربع الأول من الخوف والشك بالآخر، ويخلق شعورا بالخوف لدى طرف من ناحية، ولا يطمئن الآخر في الوقت نفسه، ما يزيد تعقيد الأمور.
بصراحة؛ هذه العلاقة، ورغم كل الحديث عن الوحدة الوطنية ومتانتها، سرعان ما تتعرض للاهتزاز أمام التسريبات عن خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وكأن أحد الفريقين متآمر يسعى إلى تطبيقها لتكون واقعا! فيما حقيقة الأمر أن ما يتسرب يضر بالفريقين وليس بأحدهما، كون تصفية القضية الفلسطينية ستأتي على حسابهما معاً، إن تمت.
ما يحدث على مدرجات الملاعب، للأسف، ليس إلا مرآة لمزاج تسعى نخب إلى خلقه، فيما العامة يلحقون و"يطبّلون ويزمرون"، من دون أدنى وعي بخطورة ما يفعلون، وآثاره المدمرة على مجتمع تعايش بسلام لعقود طويلة.
العلاقة الصحية تقتضي حديثاً صريحا، وحواراً وطنياً على مستوى العقلاء، يعيد ترتيب هذه العلاقة من دون تشوهات، وبما يجفف مخاوف كل طرف، إن كان لها أساس؛ وليكونَ الأردن بحق مجتمع تكافؤ الفرص والعدالة.
الحرص على الأردن واستقراره لا يحتاجان إلى مزايدات وتنظير يقتل الوحدة الوطنية، بل إلى عقلاء ينظِمون علاقة صحية بين مكونات المجتمع، لتقوية الجبهة الداخلية، فتبقى سداً منيعاً عالياً في ظل كل التحديات التي تُطلّ برأسها في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة.
يمكن للمجتمع، بأطيافه المتنوعة، الاختلاف؛ إنما ليس على أساس الأصول والمنابت، بل بحسب البرامج والأفكار. فالاختلاف مطلوب، شريطة أن لا تكون الغاية منه تمزيق المجتمع وتفرقته.
الأردن إن دخل هذه الدوامة، فلن يخرج منها أحد بسلام. هل من متعظ؟