تواجهنا مشكلة عويصة اسمها الفساد ، سواء كان حقيقياً ام مفترضاً. ومنذ بدء الربيع العربي ذهب خوف المواطنين من السلطات ، وأصبح الاتهام سهلاً وقليل الكلفة ، ووصلت الأمور إلى حد تشويه صورة البلد ودمغها ظلماً بالفساد.
سهولة إطلاق التهمة لم تؤثر على الفاسدين بقدر ما أثرت على الأبرياء من الموظفين والمدراء والمسؤولين في القطاعين العام والخاص الذين أصبحوا يترددون في اتخاذ أي قرار إتقاء لتهمة الفساد.
المشكلة أنك لا تستطيع المطالبة بتحريم الإتهام غير المدعوم بالدليل أو تجريمه لأن ذلك سيفسر بأن المقصود به حماية الفاسدين وردع المواطنين من إطلاق صفارات الإنذار إذا لم يكن بين أيديهم أدلة قاطعة على ما يقولون.
والمشكلة أيضاً أن بعض التهم صحيحة ، فالفساد موجود ولو بنسبة ُعشر الإتهامات ، فكيف يمكن التمييز بين الحالتين ، وكيف يمكن منع استخدام التهمة من قبيل النكاية ، حيث تقول دائرة مكافحة الفساد أن النسبة الكبرى من شكاوى الفساد التي ترد إلى الدائرة ، ويتم التحقيق فيها ، يتضح أنها تقع في باب الإفتراء. (الدائرة لا تحيل المفترين إلى القضاء).
الأردنيون ليسوا وحدهم الذين يطلقون تهمة الفساد جزافاً بتوسع ودون عناية ، فقد أجرى الاتحاد الأوروبي استطلاعأً للرأي بسؤال المواطنين عما إذا كانوا يعتقدون أن الفساد منتشر في بلادهم بشكل واسع فأجاب بنعم 99%من اليونانيين ، 97% من الإيطاليين ، 64% من الإنجليز ، 29% من الفنلنديين ، و20% من الدنمركيين (مجلة تايم عدد 17/2/2014).
ليس هناك شك في أن هذا التصور للفساد في الدول الأوروبية مبالغ فيه ، ويعود في العادة إلى الإحباط والوضع الاقتصادي السيىء الذي يجد المواطن نفسه فيه فيحاول أن يقنع نفسه ويقنع الآخرين بأنه ضحية الفساد ، وأن معظم الناجحين فاسدون ، وإن كل الأغنياء لصوص وهكذا.
لم يجر استطلاع مشابه للرأي العام في الأردن ، ولو أجري لكانت النتائج مريعة ، لكن المأمول أن يكون المواطن الأردني قد شبع من إطلاق الاتهامات العامة التي لا تميز بين الفاسد والشريف ، وأن يقف بعد الآن بصلابه في وجه الفساد الحقيقي ، المشفوع بالادلة القاطعة أو الظرفية ، وليس الانطباعات أوالرغبة في اغتيال الشخصية