اخبار البلد - بقلم اسامة سعد
تفرز الحركات السياسية أحياناً شخصيات مثيرة للجدل، مرده إلى قدرة هذه الشخصيات على إحداث قدر من الصراعات داخل الحركات السياسية من شأنه أن يعصف بالبنيان التنظيمي لهذ الحركات إذا استمر لفترة من الزمن، من أبرز هذه الشخصيات على المستوى الفتحاوي محمد دحلان أحد قيادات حركة فتح "قبل اتخاذ قرار بفصله من اللجنة المركزية للحركة" ولعل من أهم سمات شخصية محمد دحلان قدرته على توتير الأجواء وإحداث قدر كبير من الحراك الفوضوي المستند إلى قدرته على حبك المؤامرات وشراء الذمم والابتزاز، وما إلى ذلك من الوسائل القذرة التي لا يمنعه من اللجوء إليها أي وازع من دين أو أخلاق أو قيم، مستغلاً، تبوؤه لعدد من المناصب الأمنية والسياسية المهمة التي أسندت إليه.
فقد قام دحلان خلال توليه قيادة جهاز الأمن الوقائي في غزة باستهداف حركات المقاومة وأذرعتها العسكرية، وإخضاع عناصرها لعمليات تعذيب بشعة لا تزال سبة في جبين القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية في تلك الفترة، ثم انتقل ليمارس العمل السياسي من خلال موقعه كوزير في إحدى الوزارات، وقام في سبيل تعزيز موقعه بعمليات ابتزاز قذرة مستخدماً الجهاز الذي كان يرأسه في تصيد أخطاء شخصيات سياسية فلسطينية، إلى عمليات شراء ذمم من خلال وسائل التمويل المجهولة التي يسيطر عليها إلى عمليات تحشيد واستهداف ضد مناوئيه السياسيين، إلى أن وصل به الأمر لمحاولة الانقلاب على الراحل عرفات حال حياته في محاولة لإقصائه والحد من سلطاته بمساعدة أصدقائه في الإدارة الأمريكية ودعم قوي من العدو الصهيوني، وتحالف مع محمود عباس، وانتهى ذلك كله بتسميم عرفات والتخلص منه في عملية يكتنفها الغموض حتى هذه اللحظة.
قام دحلان بعد ذلك بعدة مؤامرات استهدفت التخلص من بعض الشخصيات التي ارتبطت تاريخيا بياسر عرفات وقد أسفر ذلك عن التخلص من موسى عرفات وبعض الشخصيات الفتحاوية، وإطلاق النار على نبيل عمرو وإقصاء بعض الشخصيات الأخرى.
انفرط عقد التحالف مع محمود عباس إثر فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية وحاول دحلان الظهور بمظهر الحريص على مستقبل فتح محملا محمود عباس مسؤولية الهزيمة أمام حماس بسبب سماح الأخير بإجراء الانتخابات ومشاركة حماس فيها ووعد أنصاره بإسقاط حماس بكل السبل والوسائل متوعدا كل من يتعامل مع حماس بالويل والثبور وعظائم الأمور. وتوج ذلك كله بحديثه لإحدى وسائل الإعلام عرف بحديث "الخمسة بلدي" وما تبع ذلك من تصفيات واغتيالات وعبث أمني ساد الشارع الفلسطيني في تلك المرحلة انتهى بالحسم العسكري في قطاع غزة، هرب على إثره دحلان وأنصاره من قطاع غزة إلى الضفة الغربية.
نالت الضفة الغربية نصيبها من مؤامرات دحلان بعد استقراره فيها وبدأت أذرع دحلان تتحرك في أنحاء الضفة الغربية محاولة تشكيل كنتون خاص به كالعادة، في خطوة لإضعاف عباس والسيطرة على القرار السياسي والأمني في الضفة الغربية.
استشعر محمود عباس بدهائه السياسي خطورة الدور الذي يؤديه دحلان لعلمه بإمكانيات دحلان وتحالفاته الإقليمية والغربية والصهيونية، فقرر أن يعاجله بضربة قاصمة قبل أن يتسنى لدحلان إكمال مخططه التآمري ضده، وبالفعل اتخذت اللجنة المركزية لحركة فتح قرارا بفصل دحلان ليس من اللجنة المركزية أو المجلس الثوري لحركة فتح فحسب، وإنما فصله من حركة فتح كعضو لاجتثات جذوره من الحركة، وفي خطوة لاحقة تم مطاردة أنصار دحلان من خلال قطع الرواتب والفصل من الوظائف، وما صاحب ذلك من تهميش وإقصاء لشخصيات وازنة في الحركة مقربة من دحلان.
فقدان دحلان لمحضنه الحركي في غزة أضعفه إلى حد كبير الأمر الذي أتاح لعباس هزيمته في غير ملعبه مجردا من كل أدواته التى كانت تتحرك بإشارة من أصبعه. وقد انتبه دحلان لنقطة ضعفه القاتلة هذه فحاول مد الجسور مع حركة حماس في لعبة أخيرة منه، عله يحظى بفرصة للعودة إلى غزة، وقد حاول أن يسوق نفسه من خلال استجلاب الدعم للقطاع المحاصر وربط نفسه بقوى اقليمية تمتلك وسائل ضغط هائلة على قطاع غزة محاولاً الظهور كمن يملك ذهب المعز وسيفه، ولكن ما يجهله دحلان أن غزة التي ذاقت الأمرين من مؤامرات دحلان وأدواته لاتزال بقية من طعم المرار في حلقها تذكرها بأيام سوداء حالكة حجبت نور بدرها خفافيش الظلام التي بنى أوكارها دحلان، ولن تسمح بعودة الظلام مرة أخرى. فقد انفض سوق دحلان منذ فترة طويلة، وغزة تقول له الآن "game over".