توسم كثيرون هذه الأيام بشخصية القائد العسكري العربي المصري، القائد العام للقوات المسلحة لجمهورية مصر العربية.. وراح بعضهم يقارنه بالزعيم الخالد جمال عبد الناصر، واشتغلت ماكينة الإعلام بذلك أيضا..! ما نرغب بمناقشته هنا.. ليس المقارنة بين القائدين، ولا التقليل من شخصية أي منهما؛ فلكل منهما عبقرية انتصرت بقيادة شعبنا ليس المصري فقط ! بل الشعب العربي بمجمله من الوقوع في شرك الامبريالية والتخلف، رغم الفارق الزمني والحدثي (الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية) وما يتبعهما من تفسيرات لكل واحد منهما.. لكن ذلك دفعنا للتساؤل عما إذا كانت الثورات العربية القائمة حاليا بغض النظر عن مسمياتها ستنتج مرحلة جديدة بقيادة مصر، كما كانت ثورة يوليو، وما تلاها من حلم عبد الناصر في تحقيق الوحدة العربية من جديد..؟؟ هل سنعيد نفس التجربة ونفس الفشل.. وكأن التاريخ لم يتغير؟؟ خصوصا أن التغيير الذي يجري في الدول العربية بعيدا عن دول الملوك والسلاطين والإمارات..
القومية العربية التي تعيش في عقول ووجدان كثير من النخبة في الوطن العربي المأزوم، وتدفعهم من جديد للأمل بالخروج من عنق الزجاجة فقط يأتي من خلال المشروع الناصري.. حلم مشروع لكل مواطن عربي شريف، لكن ذلك يندرج في إطار البحث عن الذات (الهوية)، وهي إشارة ودليل واضح على مفهوم تحديد الهوية المفقود لدى العربي، فعندما يقول العربي (أنا) فإنه يشير ضمنيا إلى الغير، ومن هو الغير بالنسبة للعرب سوى (الغَرب)؟ أليس غريبا الإشارة إلى الغرب دون أن نعترف بأنه (الغرب) قد سبقنا في الحضارة الإنسانية مئات من السنين؟! سؤال يقودنا إلى آخر هو: كيف يتمثل العرب تاريخهم الطويل الغامض، المشرق منه والمظلم، الموزع بين فتوحات باهرة وانكسارات مشينة ؟؟ لو لم يكن هذا الغرب الذي احتل أراضينا فيما سبق.. وها هو يحتل عقولنا وأسواقنا وجزء من أراضينا، أو كما قال أحد الباحثين بأن الجزائر مازالت جسرا للفرنسيين يعبرون منه إلى الساحل الأفريقي، لو لم يكن هذا الغرب موجودا اليوم.. فهل كنا سنبحث عن هويتنا..؟ لماذا يبهرنا ويستهوينا هذا الغرب ويجلب أبنائنا بالهجرة إليه؟ وفي نفس الوقت نتهمه بالفجور والانحلال والمستعمر أيضا..؟! لماذا نعيش هذه (الشيزوفرينيا) وكلنا أمل بأن نكون مثله؟؟ ومثله في ماذا..؟ في القوة أم في ماذا..؟ وهل القوة التي حصل عليها الغرب جاءته هباء من السماء..؟ أم أنه عمل كثيرا على كافة الصعد، وأولها عزل الدين عن الدولة.. حتى وصل إلى ما وصل إليه..؟ يقول المؤرخ الفرنسي ـ جول ميشلة: ” القرن الأعظم وأعني به القرن الثامن عشر نحبه لأسباب نبيلة وأخرى مغرضة، يستهوينا لأنه يفضح الكنيسة وجرائمها؛ فيمدنا بكل ما نحتاج إليه لاتهامها ومحاكمتها، ويستهوينا أيضا لأنه يبرر أشياء محببة إلى نفوسنا..”
كيف نحدد هويتنا أمام هذا الغرب الحضاري الذي زالت الحدود والفوارق بين دولِه، في وقت نحن نقسم فيه دولنا إلى دويلات والدويلات إلى أقل.. أو كما قال شاعرنا: "سجونا متلاصقة سجان يمسك بسجان..” ؟؟ كيف يمكننا تحقيق الحلم الذي فشل عبد الناصر في تحقيقه بأيدي زعماء وملوك عرب يشاركونه التاريخ واللغة والجغرافيا والدين..؟ كيف يمكن تحقيق هذا الحلم.. وتلك الزعامات مازالت رغما عن شعوبها.. موجودة على نفس الدول وبطريقة أشرس ومشاركة بمخططات إمبريالية (غربية) أقوى من زمن عبد الناصر..؟ كيف يمكن تحقيق ذلك الحلم.. وزرع الغرب الإمبريالي في وسط الوطن العربي احتلالا كولنياليا بشعا قسم الوطن العربي إلى قسمين شرقا وغربا، ونهب مقدرات وانجازات شعب عربي واحتل أرضه وشتته في بقاع الأرض؟؟ من هنا تشبث الشعب الفلسطيني بعروبته أملا في تعاضدها وتكاتفها مع قضيته، وبالفعل قامت الجيوش العربية التي لم تكن مستقلة في حينها بدخول فلسطين ومحاربة الصهاينة وطردهم، إلا أن تلك الجيوش لم تنجح في مهماتها التي أفضت إلى هدنة كانت نتيجتها تهجير الفلسطينيين، ومن ثم قيام ما يسمى بدولة (إسرائيل..) تلك كانت التجربة الأولى الفاشلة في تأسيس الوحدة العربية، ولعل جمال عبد الناصر الذي كان هو ضابطا عسكريا حارب مع تلك الجيوش، اتخذ من تلك التجربة عاملا أساسيا في فكرة القومية العربية.. لا بد أنه أدرك مبكرا ما قد يتعرض له الوطن العربي من مؤامرات لا يمكن الخلاص منها إلا بفكرة الوحدة، خصوصا بعد العدوان الثلاثي عندما احتل الجيش الصهيوني قطاع غزة وسيناء سنة 1956، وأعلنت الجمهورية السورية في حينها حالة الطوارئ في صفوف جيشها.. حاول عبد الناصر جاهدا في الوحدة مع سوريا برئاسته لم تدم طويلا ( الجمهورية العربية المتحدة: 1958 ـ 1961 ) وانتهت بانقلاب عسكري في الجيش السوري، أدى فيما أدى إليه من انفصال سوريا من الوحدة مع مصر.. ذلك يقودنا بالمقابل إلى حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تأسس في دمشق سنة 1947، تحت شعار ” أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة وأهدافه وحدة حرية اشتراكية، وهي تجسد الوحدة العربية والتحرر من الاستعمار والإمبريالية وإقامة النظام الاشتراكي العربي ” هي فكرة قومية أيضا لا تختلف كثيرا مع رؤية عبد الناصر وعقيدته، رغم ما قيل بأنها لم تلتق معه.. وانتشرت فكرة وفلسفة الحزب في أغلبية البلدان العربية التي تتبنى الديمقراطية وتأسست تلك الأحزاب على أمل أن تفوز بالحكم، بنفس الطريقة التي انتشرت فيها الأحزاب الشيوعية، أو اليسارية… وما عدا سوريا والعراق اللتان وصل فيهما حزب البعث لسدة الحكم بالانقلاب، وفي العراق انتهى حكم البعث مع انتهاء القائد (صدام حسين)، وفي سوريا محاولات لإنهائه بشكل أو بآخر… نستنتج هنا بأن حزب البعث في هاتين الدولتين الجارتين، بأن الحاكمين لم يقوما بتوحيد بلديهما، مما يؤكد أن شخصية القائد، أو الزعيم هي شخصية (الآلهة) التي تتحكم بكل الأمور وليست مبادئ وعقيدة الحزب…
ماذا يختلف الحكم عند بعض الدول العربية عن حكم الأتراك الذي وصفه العلامة، البستاني، حين قال: ” الأتراك كانوا يلقبون بالمدمرين، ونحن على ذلك الشاهدين، فقد دمرونا باحتلالهم وأشاعوا فينا الجوع والخوف مما كانوا يصنعون، كان الخليفة ظل الله في الأرض لا يتورع عن القتل أو السلب، تقوم ضد طغيانه من حين لآخر ثورات عارمة يخمدها في المهد بحد السيف وبلا شفقة كعادة الحكام ومنذ قرون عديدة في آسيا..”، لعل أهم مأخذ على الدولة القومية هو أنها اعتمدت الانتقاء والتوافق، وبالتالي تكون قد جمدت التناقض بين ذهنية عتيقة تجسدت في خطاب معين وسلوك محدد من جهة، ومن جهة أخرى سياسة اقتصادية تتوخى التنمية السريعة، وتوظف لذلك الغرض منطقا يخالف تمام المخالفة الذهنية العتيقة؛ فالدولة القومية تعرقل بموقفها التوفيقي، التحديث الفكري والنمو الاقتصادي، ومعنى هذا أنها هي التي احتضنت ما يسمى اليوم (بالحركات أو التنظيمات الإسلامية).. إن نظام جمال عبد الناصر حارب الإسلاميين كأشخاص، كأعداء سياسيين، وكمنافسين، لكنه لم يحارب أبدا النظرية الإسلامية التي تربى عليها فكريا وسياسيا، والأمر أوضح في جزائر بومدين وتونس محمد مزالي… ولا نعتقد أن الأمر يختلف في عراق صدام ولا سوريا الأسد..
لا أحد كان يتصور أن نظاما استمر أكثر من سبعين سنة واجتاز محنة حربين طاحنتين، ويملك القدرة على تدمير العالم مرات.. لا مرة واحدة، سينهار يوما في بحر سنتين فقط ، ثم يُطوى خبره كما لو لم يكن وُجد من قبل؟؟ لعل روسيا قد استدركت المرحلة الليبرالية تحت غطاء الماركسية، كما يمكن القول أن أسبانيا استدركت ما فاتها من تاريخ أوروبا تحت غطاء نظام فرانكو.. إلا أن دولنا العربية لم تستدرك بعد ما يجري في العالم وما قد يشكله القرن الحادي والعشرين، الذي ودّع القرن الماضي، قرن الصناعة والإنتاج والبيروقراطية والحدود الجامدة بين العام والخاص، والحرب الباردة، والأيديولوجية.. كلها أصبحت ذكريات جميلة، فإلى أين نحن ذاهبون؟؟ في عصر ما بعد الصناعة، ما بعد الحداثة، ما بعد التكنولوجيا التي تتيح عمل أي شيء في أي مكان، ومن ثم يبيعه في أي مكان من العالم؟؟ الدول العربية الغنية بالنفط والغارقة بالرفاهية والاستهلاك راحت تتسابق في دعم وتخريب الثورات في دول الجمهوريات العربية التي تتبنى الديمقراطية المشوهة.. ليس من قبيل حرصها على شعوب هذه الدول، بقدر ما تخاف من التغيير الليبرالي الذي قد ينجح في هذه الدول ويشكل تهديدا حقيقيا لممالكها وإماراتها فيما بعد.. ولاقت من الدول الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تأييدا ومساندة، إن لم تكن هاتان الدولتان هما من خططتا لذلك حفاظا على مصالحهما.. بقي أن نقول: أن "بيل غيتس” لا يمتلك آبارا للنفط ولا مزارعا ضخمة ولا مصانع كبيرة كي يصير أغنى رجلٍ في العالم، وقد يكون أغنى من عدة دولا مجتمعة..
نستنتج مما سبق أن لا فكرة القومية والبعثية قد نجحت في توحيد العرب، ولا فكرة الأحزاب اليسارية والماركسية في الديمقراطيات العربية قد نجحت في أهدافها.. وأنهم ما زالوا يدورون في حلقة مفرغة بتفكيرهم الكلاسيكي الذي لا يبتعد كثيرا عن الحفاظ على قياداته التي أغرّ بها البريستيج الاجتماعي والسياسي… لذلك حريّ بنا أن نقف أمام متطلبات ما بعد الحداثة وقراءة ما يمكن أن ينتجه عصر ما بعد الصناعة، وما أفرزته المعرفة الشبكية من قوة اقتصادية لا يوازيها قوة أخرى، وما أحدثته من تغيير متزايد في الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والشخصية، وما يمكن أن تفرزه من أيديولوجيا تتلاءم بما تفرضه واقع ليبرالية القرن الحادي والعشرين..!!
القومية العربية التي تعيش في عقول ووجدان كثير من النخبة في الوطن العربي المأزوم، وتدفعهم من جديد للأمل بالخروج من عنق الزجاجة فقط يأتي من خلال المشروع الناصري.. حلم مشروع لكل مواطن عربي شريف، لكن ذلك يندرج في إطار البحث عن الذات (الهوية)، وهي إشارة ودليل واضح على مفهوم تحديد الهوية المفقود لدى العربي، فعندما يقول العربي (أنا) فإنه يشير ضمنيا إلى الغير، ومن هو الغير بالنسبة للعرب سوى (الغَرب)؟ أليس غريبا الإشارة إلى الغرب دون أن نعترف بأنه (الغرب) قد سبقنا في الحضارة الإنسانية مئات من السنين؟! سؤال يقودنا إلى آخر هو: كيف يتمثل العرب تاريخهم الطويل الغامض، المشرق منه والمظلم، الموزع بين فتوحات باهرة وانكسارات مشينة ؟؟ لو لم يكن هذا الغرب الذي احتل أراضينا فيما سبق.. وها هو يحتل عقولنا وأسواقنا وجزء من أراضينا، أو كما قال أحد الباحثين بأن الجزائر مازالت جسرا للفرنسيين يعبرون منه إلى الساحل الأفريقي، لو لم يكن هذا الغرب موجودا اليوم.. فهل كنا سنبحث عن هويتنا..؟ لماذا يبهرنا ويستهوينا هذا الغرب ويجلب أبنائنا بالهجرة إليه؟ وفي نفس الوقت نتهمه بالفجور والانحلال والمستعمر أيضا..؟! لماذا نعيش هذه (الشيزوفرينيا) وكلنا أمل بأن نكون مثله؟؟ ومثله في ماذا..؟ في القوة أم في ماذا..؟ وهل القوة التي حصل عليها الغرب جاءته هباء من السماء..؟ أم أنه عمل كثيرا على كافة الصعد، وأولها عزل الدين عن الدولة.. حتى وصل إلى ما وصل إليه..؟ يقول المؤرخ الفرنسي ـ جول ميشلة: ” القرن الأعظم وأعني به القرن الثامن عشر نحبه لأسباب نبيلة وأخرى مغرضة، يستهوينا لأنه يفضح الكنيسة وجرائمها؛ فيمدنا بكل ما نحتاج إليه لاتهامها ومحاكمتها، ويستهوينا أيضا لأنه يبرر أشياء محببة إلى نفوسنا..”
كيف نحدد هويتنا أمام هذا الغرب الحضاري الذي زالت الحدود والفوارق بين دولِه، في وقت نحن نقسم فيه دولنا إلى دويلات والدويلات إلى أقل.. أو كما قال شاعرنا: "سجونا متلاصقة سجان يمسك بسجان..” ؟؟ كيف يمكننا تحقيق الحلم الذي فشل عبد الناصر في تحقيقه بأيدي زعماء وملوك عرب يشاركونه التاريخ واللغة والجغرافيا والدين..؟ كيف يمكن تحقيق هذا الحلم.. وتلك الزعامات مازالت رغما عن شعوبها.. موجودة على نفس الدول وبطريقة أشرس ومشاركة بمخططات إمبريالية (غربية) أقوى من زمن عبد الناصر..؟ كيف يمكن تحقيق ذلك الحلم.. وزرع الغرب الإمبريالي في وسط الوطن العربي احتلالا كولنياليا بشعا قسم الوطن العربي إلى قسمين شرقا وغربا، ونهب مقدرات وانجازات شعب عربي واحتل أرضه وشتته في بقاع الأرض؟؟ من هنا تشبث الشعب الفلسطيني بعروبته أملا في تعاضدها وتكاتفها مع قضيته، وبالفعل قامت الجيوش العربية التي لم تكن مستقلة في حينها بدخول فلسطين ومحاربة الصهاينة وطردهم، إلا أن تلك الجيوش لم تنجح في مهماتها التي أفضت إلى هدنة كانت نتيجتها تهجير الفلسطينيين، ومن ثم قيام ما يسمى بدولة (إسرائيل..) تلك كانت التجربة الأولى الفاشلة في تأسيس الوحدة العربية، ولعل جمال عبد الناصر الذي كان هو ضابطا عسكريا حارب مع تلك الجيوش، اتخذ من تلك التجربة عاملا أساسيا في فكرة القومية العربية.. لا بد أنه أدرك مبكرا ما قد يتعرض له الوطن العربي من مؤامرات لا يمكن الخلاص منها إلا بفكرة الوحدة، خصوصا بعد العدوان الثلاثي عندما احتل الجيش الصهيوني قطاع غزة وسيناء سنة 1956، وأعلنت الجمهورية السورية في حينها حالة الطوارئ في صفوف جيشها.. حاول عبد الناصر جاهدا في الوحدة مع سوريا برئاسته لم تدم طويلا ( الجمهورية العربية المتحدة: 1958 ـ 1961 ) وانتهت بانقلاب عسكري في الجيش السوري، أدى فيما أدى إليه من انفصال سوريا من الوحدة مع مصر.. ذلك يقودنا بالمقابل إلى حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تأسس في دمشق سنة 1947، تحت شعار ” أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة وأهدافه وحدة حرية اشتراكية، وهي تجسد الوحدة العربية والتحرر من الاستعمار والإمبريالية وإقامة النظام الاشتراكي العربي ” هي فكرة قومية أيضا لا تختلف كثيرا مع رؤية عبد الناصر وعقيدته، رغم ما قيل بأنها لم تلتق معه.. وانتشرت فكرة وفلسفة الحزب في أغلبية البلدان العربية التي تتبنى الديمقراطية وتأسست تلك الأحزاب على أمل أن تفوز بالحكم، بنفس الطريقة التي انتشرت فيها الأحزاب الشيوعية، أو اليسارية… وما عدا سوريا والعراق اللتان وصل فيهما حزب البعث لسدة الحكم بالانقلاب، وفي العراق انتهى حكم البعث مع انتهاء القائد (صدام حسين)، وفي سوريا محاولات لإنهائه بشكل أو بآخر… نستنتج هنا بأن حزب البعث في هاتين الدولتين الجارتين، بأن الحاكمين لم يقوما بتوحيد بلديهما، مما يؤكد أن شخصية القائد، أو الزعيم هي شخصية (الآلهة) التي تتحكم بكل الأمور وليست مبادئ وعقيدة الحزب…
ماذا يختلف الحكم عند بعض الدول العربية عن حكم الأتراك الذي وصفه العلامة، البستاني، حين قال: ” الأتراك كانوا يلقبون بالمدمرين، ونحن على ذلك الشاهدين، فقد دمرونا باحتلالهم وأشاعوا فينا الجوع والخوف مما كانوا يصنعون، كان الخليفة ظل الله في الأرض لا يتورع عن القتل أو السلب، تقوم ضد طغيانه من حين لآخر ثورات عارمة يخمدها في المهد بحد السيف وبلا شفقة كعادة الحكام ومنذ قرون عديدة في آسيا..”، لعل أهم مأخذ على الدولة القومية هو أنها اعتمدت الانتقاء والتوافق، وبالتالي تكون قد جمدت التناقض بين ذهنية عتيقة تجسدت في خطاب معين وسلوك محدد من جهة، ومن جهة أخرى سياسة اقتصادية تتوخى التنمية السريعة، وتوظف لذلك الغرض منطقا يخالف تمام المخالفة الذهنية العتيقة؛ فالدولة القومية تعرقل بموقفها التوفيقي، التحديث الفكري والنمو الاقتصادي، ومعنى هذا أنها هي التي احتضنت ما يسمى اليوم (بالحركات أو التنظيمات الإسلامية).. إن نظام جمال عبد الناصر حارب الإسلاميين كأشخاص، كأعداء سياسيين، وكمنافسين، لكنه لم يحارب أبدا النظرية الإسلامية التي تربى عليها فكريا وسياسيا، والأمر أوضح في جزائر بومدين وتونس محمد مزالي… ولا نعتقد أن الأمر يختلف في عراق صدام ولا سوريا الأسد..
لا أحد كان يتصور أن نظاما استمر أكثر من سبعين سنة واجتاز محنة حربين طاحنتين، ويملك القدرة على تدمير العالم مرات.. لا مرة واحدة، سينهار يوما في بحر سنتين فقط ، ثم يُطوى خبره كما لو لم يكن وُجد من قبل؟؟ لعل روسيا قد استدركت المرحلة الليبرالية تحت غطاء الماركسية، كما يمكن القول أن أسبانيا استدركت ما فاتها من تاريخ أوروبا تحت غطاء نظام فرانكو.. إلا أن دولنا العربية لم تستدرك بعد ما يجري في العالم وما قد يشكله القرن الحادي والعشرين، الذي ودّع القرن الماضي، قرن الصناعة والإنتاج والبيروقراطية والحدود الجامدة بين العام والخاص، والحرب الباردة، والأيديولوجية.. كلها أصبحت ذكريات جميلة، فإلى أين نحن ذاهبون؟؟ في عصر ما بعد الصناعة، ما بعد الحداثة، ما بعد التكنولوجيا التي تتيح عمل أي شيء في أي مكان، ومن ثم يبيعه في أي مكان من العالم؟؟ الدول العربية الغنية بالنفط والغارقة بالرفاهية والاستهلاك راحت تتسابق في دعم وتخريب الثورات في دول الجمهوريات العربية التي تتبنى الديمقراطية المشوهة.. ليس من قبيل حرصها على شعوب هذه الدول، بقدر ما تخاف من التغيير الليبرالي الذي قد ينجح في هذه الدول ويشكل تهديدا حقيقيا لممالكها وإماراتها فيما بعد.. ولاقت من الدول الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تأييدا ومساندة، إن لم تكن هاتان الدولتان هما من خططتا لذلك حفاظا على مصالحهما.. بقي أن نقول: أن "بيل غيتس” لا يمتلك آبارا للنفط ولا مزارعا ضخمة ولا مصانع كبيرة كي يصير أغنى رجلٍ في العالم، وقد يكون أغنى من عدة دولا مجتمعة..
نستنتج مما سبق أن لا فكرة القومية والبعثية قد نجحت في توحيد العرب، ولا فكرة الأحزاب اليسارية والماركسية في الديمقراطيات العربية قد نجحت في أهدافها.. وأنهم ما زالوا يدورون في حلقة مفرغة بتفكيرهم الكلاسيكي الذي لا يبتعد كثيرا عن الحفاظ على قياداته التي أغرّ بها البريستيج الاجتماعي والسياسي… لذلك حريّ بنا أن نقف أمام متطلبات ما بعد الحداثة وقراءة ما يمكن أن ينتجه عصر ما بعد الصناعة، وما أفرزته المعرفة الشبكية من قوة اقتصادية لا يوازيها قوة أخرى، وما أحدثته من تغيير متزايد في الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والشخصية، وما يمكن أن تفرزه من أيديولوجيا تتلاءم بما تفرضه واقع ليبرالية القرن الحادي والعشرين..!!