لم تكن الخطوة التاريخيّة، بأنْ تقوم اللجنة المالية في مجلس النواب الأردني، بمناقشة ميزانيّة الديوان الملكي، خطوةً شكليّةً أو بروتوكوليّة، بل جاءت في صميم جديّة الدولة بقيادة الملك نحو عملية الإصلاح، والشفافيّة الكاملة على طريق هذا الهدف الكبير.
رددنا أكثر من مرّة، بأننا مقتنعون بالحقيقة التي نعيشها في الأردن، وهي أنّ ربيعنا كان مختلفا تماماً عن ربيع كثير من العرب، ذلك الربيع الذي أحرق كلّ شيء، وأتى على إنجاز تلك الدول عبر عقود طويلة، حيث امتاز الربيع الأردني بأنّ الملك قاده بنفسه، بل لا نُبالغ حينما نقول أنّ الملك هو الذي فجّره منذ أنْ تولى سلطاته الدستوريّة، ومضى بعمليّة كبرى ومعقّدة في الإصلاح على كلّ المستويات، رغم كلّ المعيقات التي واجهته، ولكنّ إصراره كان أكبر من كلّ الصعوبات، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من تميّز في نموذجنا الخاص في الإصلاح، النموذج الذي حيَّد الأردن، وطناً وإنساناً، هول ما نراه من نيران، تكاد ألسنتها تلتهم الأرض والإنسان، وتأتي على كلّ ما هو حي.
لقد كان وضع ميزانيّة الديوان الملكيّ على طاولة البحث، بين يدي نواب الأمّة، خطوةً ليست بالعاديّة، وبصراحة مطلقة اننا لم نعتد عليها من ناحية، ومن ناحية أخرى، لا يوجد دولة في العالم الثالث، بل وفي كثيرٍ من دول العالم بشكل عام، تخطو مثل هذه الخطوة فعلياً، وهذا إنْ أشار إلى شيء فإنه يُشير إلى جديّة الملك، وصدقيّته اللامحدودة في الشفافيّة على طريق الإصلاح الشامل، وثقته الكبيرة بأنه لا يوجد شيء يُمكن إخفاؤه عن الناس، وهنا تكمن أهميّة هذه الخطوة، حيث تأتي هذه الخطوة إشارة واضحة إلى الحراك الملكيّ المتسارع في الإصلاح، والتطوير والتحديث، وبناء جسور الثقة بين الدولة ومواطنيها، وهذا هاجس مُلح في ذهن الملك.
عندما نتفحص الخطوات الملكيّة على امتداد عقد ونصف من الزمن، لحفظ الحاضر وحماية المستقبل، فإنه لا بدّ من أنْ نكون مُنصفين عند النظر إلى هذه الخطوات، وما تحقق من إنجازات وطنيّة كبيرة، على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حيث كانت هذه الخطوات، وفي مقدمتها التعديل الشامل للدستور، قاعدة صلبة للانطلاق نحو أردن جديد، كما يرغب الملك والشّعب، رغم أنّ البعض حاول وضع العصي في الدواليب؛ للتشكيك بكل شيء، ظلّ الملك قابضاً على جمر الإصرار، ومتحملاً الظلم أحياناً كثيرة، في سبيل أنْ يمضي بشعبه إلى برِّ الأمان.
الخطوة المهمة في عرض ميزانيّة الديوان على نواب الأمة، لها إشارة أخرى لا بدّ من الوقوف عندها، وهي احترام الملك اللامحدود للمؤسسة التشريعيّة، والتأكيد على محورية الركن النيابي في العملية السياسيّة والدستوريّة، وهذا أمر أشار إليه الملك، وأكّد عليه في معظم خطاباته وتصريحاته، سواءً في الداخل أو الخارج، لأنه يُؤمن إيماناً كاملاً بأهمية وجود سلطة تشريعيّة قويّة، تكون ركناً مهماً في بناء الوطن والدولة، ولأنه يُدرك أهمية أنْ يأخذ المجلس النيابي دوره في الرقابة، ودوره في إنجاز برامج الإصلاح الوطنيّة، وتعزيز ثقة المواطنين بمؤسساتهم الرسميّة، وفي مقدمتها الديوان الملكيّ وهذا يمثل دافعاً قوياً وحافزاً كبيراً، نحو مزيد من الإنجازات ومواجهة التحديات، من خلال التعاون بين كافة مؤسسات الدولة؛ لتجاوز الصّعاب، وذلك بترسيخ نهج الشراكة والتّعاون، لما فيه خير الوطن والناس، بحيث يستوعب الجميع أدوارهم، وفقاً للدستور والقانون.
الملكُ نموذجٌ كبيرٌ في الإصلاح، فهلْ نقتدي به على كلّ المستويات، السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة؛ حتى نكون شركاء حقيقيين له في بناء الوطن كما يَصبو إليه؟.