في حديثه أمام مجلس النواب، قال رئيس الوزراء د. عبد الله النسور إن 3 مليارات من الأموال العامة المستحقة للخزينة غير محصلة. الرقم المذكور بالضرورة، لا يشتمل على التهرب الضريبي، وتحديدا ضريبة الدخل التي يقدر مسؤولون قيمة التهرب منها بحوالي 700 مليون دينار سنويا.الأموال المستحقة، التي تحدث عنها النسور، ليست قليلة، وتحصيل نصفها وليس كامل قيمتها كفيل بالتخفيف من الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها الخزينة، وتخفيض عجز الموازنة، وتقليل الاعتماد على الاقتراض لسد فجوة التمويل.الرئيس لم يوضح تفاصيل الرقم، ولم يشرح ماهية توزيع تلك المليارات الثلاثة، كما لم يبادر وزير المالية الدكتور أمية طوقان بتوضيحها وتفصيلها. الرقم مبهم والمعلومات المتوفرة محدودة. لكن يمكن، ومن خلال النظر إلى مصادر الموارد المالية المحلية، التكهن بتوزيع هذا المبلغ، الذي من الممكن أن يشمل إيرادات ضريبية، سواء مبيعات، دخل، مسقفات، رسوم جمركية مستحقة، فواتير كهرباء ومياه، إلى جانب غرامات تأخير تسديد.الرقم مغرٍ لحكومة تعاني الأمرّين في توفير مصادر للتمويل، ولم تترك بابا للاقتراض إلا طرقته محليا وإقليميا وعالميا. والظاهر أن تحصيل هذه الأموال ليس بالأمر الهيّن، ولو كانت الحكومة بكل مؤسساتها قادرة على ذلك لفعلت.أين المشكلة؟الحالة ليست جديدة، وتراكمت على مدى سنوات طويلة، مع فارق أن من كان يمتنع عن التسديد في الماضي هم المتنفذون! فيما يطبق القانون بحذافيره على الآخرين.اليوم الحال تغير وبات كل فرد مؤهلا لمناكفة الحكومة، وضرب الحائط بقراراتها وحقوقها من خلال الاستنكاف عن تسديد ما يترتب عليه من ضرائب، وهو تصرف يكرّس الاستقواء على الدولة، وسط حالة الضعف التي تسيطر عليها والتردد في جعل فكرة دولة القانون راسخة ومتينة. ما يحدث أن ثمة تهاونا في إنفاذ القانون وتطبيقه بدون استثناء وبعدالة، وثمة فجوة ثقة يتسع مداها بين الحكومات والناس، تفتح الباب لرفض تسديد حقوق الخزينة.إذن، الحل مرتبط بشكل وثيق بسيادة القانون وتطبيقه على الجميع بعدالة، وتحقيق هذه الغاية يتطلب من الحكومة البدء بحملة معلنة لتحصيل حقوقها، شريطة أن تبدأ بالتطبيق على المتنفذين قبل المواطن العادي، برسالة واضحة حاسمة لا تردّد فيها، بأن على الجميع تسديد ما عليهم.وضعُ حد لهذه الممارسات التي تضرب بالقانون عرض الحائط ضرورة، حتى لا يتسع محيطها، وتصل لحدود أخطر مما هي عليه الآن، ومن واجب جميع الجهات المعنية بتحصيل الأموال أن تقوم بالدور المطلوب منها، واللجوء إلى القضاء والتنفيذ القضائي إن اقتضت الحاجة.الأردن بلد محدود الموارد الطبيعية والمالية، والإيرادات المحلية هي المصدر الرئيس لتدفق الأموال وتغطية الإنفاق. للأسف تُلحَظ حالة من الاستخفاف والاستقواء، أحيانا أخرى، على حق الخزينة وبالتحديد من أسماء معروفة وأسماء تقلدت مناصب مهمة وحساسة في سنوات خلت. بما أن لدى الحكومة كل هذه الأموال في ذمة الغير، فمن المجدي أن تضع خطة لتحصيلها، لحل جزء من أزمتها بالدرجة الأولى، وتكريس فكرة دولة القانون والمؤسسات، وإلا فان الضعف سيبقى مسيطرا، وحالة الاستقواء ستتفاقم طالما أن الإجراءات غير حاسمة.المليارات الثلاثة، ينطبق عليها المثل الشعبي "المال السايب يعلّم السرقة"، وفي هذه الحالة المال السايب يعلّم الاستقواء على الدولة، ويعكس عقلية خطرة تتشكل وتكبر بيننا.كلنا نعلم أن الدولة حينما تريد تفعل ما تريد، فلماذا التقصير؟ الجميع يدركون أن في الخطوة فرصة للخروج من دائرة الأزمة. فهل هي تريد ولا تستطيع؟ أم تستطيع ولا تريد؟
"المال السايب"
أخبار البلد -