( لا ذكريات بالمدينه )

( لا ذكريات بالمدينه )
أخبار البلد -  
مقال بعنوان .. ( لا ذكريات بالمدينه )

الكاتب : برهان جازيه

المدينه تتطور باستمرار .. ما قائم عليه اليوم ليس ما كان عليه بالأمس ... منزل الطفوله اختفى .. شق شارع مكانه .. يعني اذا اردت ان اعيد ذكرياتي بمنزل والدي قبل 40 سنه يجب علي ان اجلس بمنتصف الشارع .. ممكن ان اتعرض للدهس ...
الملعب الترابي... اقيم مكانه مجمع تجاري ضخم ... داخل المجمع كنت هنا العب بالكره / بالتراب ... الأن .. المكان امتلأ محلات تجاريه .. الزبائن تدوس على ذكرياتي من غير قصد .
اصطحبت اولادي الى مكان طفولتي بالمدينه ... اشير بأصبعي لهم الى مكان كنت به الهو .. يضحكون ... يستغربون .. الى ماذا يشير هذا الرجل ؟ ... يشير الى نفق سيارات .. هنا كان يلهو ويلعب .. ولماذا لم يزل حيا ؟ .. كيف نجا من السيارات ؟ .. ايعقل ان هناك شخص عاقل يلعب بنفق سيارات ؟ ... اوضح لهم بأن هذا النفق لم يكن قبل 35 سنه تقريبا وانه جديد ... كيف سترتسم لهم صورة المكان بمخيلتهم وهو قديم ؟ ... لا ادري .. المدينه تتطور .. لا ذكريات بالمدينه ...
كنت طفلا لي مخيلة عن العالم .. بدأت بريئه .. بسيطه .. متحابه ... ورديه ... ثم تدريجيا اجتاحها رويدا رويدا الند .. الشر ... الانانيه ... الحسد ...الاستغلال .. الانتهازيه ... حتى طغى على مساحه شاسعه من مخيلتي .... العالم سيء بكل معنى الكلمه ... بدأ صراع الخير والشر بعد ان تعديت مرحلة الطفوله بوقت ... الأن ... الطفل مخيلته مليئه بالاحداث الداميه .. بالحزن .. بالشر .. بالحسد .. بالانتهازيه ... بالخوف .. بالانعزاليه .. قضت المدينه على الاحلام الورديه للطفل ....
لم يعد هناك ملعب ترابي .. ولا مساحات للعب ... ولا سرقه اشجار اللوز والتين والعنب من الجيران .. ولم يعد بمقدورهم مطاردة ( فراشه ) تطير منهم بخفه ودلع من زهره الى زهره .. الاسوار ارتفعت .. وتكدست الناس بصناديق مغلقه اطلق عليها ( شقق سكنيه ) ... الاطفال حشروا بقوالب اسمنتيه ... كالسجون ... ذكرياتهم عباره عن صور الصقوها على جدران غرفهم تبين نموهم التدريجي .. صور كرتون .. صور لاعبين .. صور فنانين وفنانات .. مفصولين عن العالم الخارجي ... نظرهم فقط هو الذي يسافر عبر نوافذهم الى الخارج .. ما ان يسير بصرهم بضعة امتار عبر النوافذ حتى ينصدم بعماره اسمنتيه اخرى مليئه بالشقق .. يتبادل الاطفال النظرات فيما بينهم خلف الشبابيك ... لا ذكريات بالمدينه .. المدينه تتطور .. وتتغير .. وتمسح الماضي .. انت بالحاضر .. اما المستقبل .. العمارة التي تقطنها الأن او مكان سكنك او حارتك قد يصبحان شارع .. نفق .. مؤسسه تعليميه .. مول ... اتوستراد .. مخازن للأيجار ... او مستودع اقمشه ... أو مشغل خياطه ... ربما حديقة طيور ... او حتى مكب للنفايات .
كنت اسكن مع عائلتي بمنطقة تسمى ( اسكان القويسمه ) بعمان .. وهي بيوت سكنيه خصصت للموظفين من كافة القطاعات .... وهي منطقه قريبه من مؤسسه الاذاعه والتلفزيون قبل 35 سنه .. كان هناك سكة حديد بمنطقة سكني وانا طفل .. حيث
هذه سكة الحديد لا زالت الى يومنا هذا ولكن ( القطار اختفى ) .. اتذكر جيدا كيف كان يسير القطار مطلقا صفارته بالاجواء .. كان اجمل شيء مر بحياتي .. لونه أسود .. ويخرج منه دخان اسود رائحته نتنه نتيجة حرق ( الفحم ) ... كنا نضع ( مسامير) على السكه قبل قدوم القطار .. وما ان يدوس عليها القطار حتى تصبح مثل ( الورقه ) شكلها مضحك .. كنا نضحك .. نضحك .. نضحك كثيرا .. يا لبساطة الحياه .. كل ذلك اختفى .. بقيت سكة الحديد اعتراها الصدأ .. لم يعد هناك قطار يمر .... ولم يعد هناك اطفال .. لقد ذهبوا .. ذهبنا جميعا .. اختفىت الاطفال .. الم اقل لكم بأن الاطفال قد حشروا بصناديق اسمنتيه ( شقق ) .. اطلقوا سراحهم .
ما اجمل (الباديه والقريه ) .. اجمل بكثير .. اجمل بمليون الف مره من حياة المدينه .. لا ذكريات بالمدينه .. الحياه والذكريات فقط بالقريه والباديه ... البساطه والمحبه والكرم والمكان هو المكان .. بعبقه ورائحته وعيشه واشجاره وطرقه القديمه .. وحتى تطورهما يراعي حرمة المكان .. يراعي ذكريات المكان .. تطورهما لا يقل تطورا عن المدينه .. ولكن .. لا جرافات تجرف الاخضر واليابس عندهم .... لا استغلاليه ولا مصالح ولا انانيه لديهم .. لا يقتلون المكان والذكريات من اجل تجاره عابره ..ولا يستهترون بحياة الانسان وذكرياته ومكانه ... ان غبت مليون سنه عن القريه والباديه وعدت اليها ستجد شجر الصنوبر والتين والعنب والزيتون هي هي وقد عمرت .. ستجد كل شيء بمكانه .. هنا كنت تجلس .. هنا كنت تلعب .. المكان هو المكان .. لا اقتحام او هدم او تشويه للمكان وللأنسان .. عكس المدينه ..
يوما ما .. عند عودتي لمكان طفولتي بحثت جاهدا عن جارنا القديم .. عن اولاد الحاره .. لم اجد احد .. الوجوه تغيرت ... والمكان كله تغير .. كنت اتمنى ان اجد جار لنا يجلس امام بيته يتناول كوبا من الشاي او يحمل ( مسبحه ) وقد اعتلى رأسه شيبا وظهرت عليه مظاهر الشيخوخه .. لأسلم عليه ..لأقبله ... لأسترجع معه بعض الذكريات .. لم أجد .. كنت اتمنى ان استعمل كلمة ( بتتذكر ) مع احدهم .. لم أجد .. هذه هي المدينه ... عباره عن اشخاص من كرتون ... لا حياه فينا ... لا ذكريات ... الحياه بالباديه والقريه فقط .. هناك الحياه .. الذكريات عندهم .. كل شيء لديهم... الماضي والحاضر والمستقبل هو والله عندكم .
اعيش بشقه سكنيه الأن بالمدينه .. لم أسجن اطفالي .. عودتهم على الانطلاق بالحاره .. ليصنعوا لهم ذكرى .. ليتفاعلوا مع الحياه .. اخترعوا طرقا كثيره ليعيشوا مثل ايام زماننا نحن الكبار .. طرق تثير الضحك .. يجدون التراب بطريقتهم الخاصه للعب فيه .. صنعوا ملعب ترابي .. وجدوا اليه للوصول الى اشجار الجيران لقطف التين والعنب والتفاح وحتى الورد .. يصطادون الفراش والسحالي وهم بوسط المدينه .. من اين يأتون بها لا ادري.. انا اضحك ...عملوا ( شله ) من الاطفال .. شجعوا بعضهم ... عملوا مراجيح وسحاسيل بطرقهم وافكارهم الخاصه .. اوجدوا لهم كيان ومجموعه لها حضور بوسط المدينه ... فعلا فرخ البط عوام .. تتكرر علي عباره ( ضب ولادك ) كثيرا من الجيران والناس .. سمعها ( والدي ) ايضا من قبلي كثيرا . ولكننا استمرينا باللعب . لم يوقف احد بطريقنا .. قطار الاطفال لا يوقفه احد .. انهم هبه من السماء .. يجب ان يصنعوا لهم ذكرى ..
.. انا أبن حاره ... منذ شروق الشمس الى مغيبها .. انا ولدت بالحاره .. وعشت بالحاره .. انا ترباية شوارع ( مجازا ) ... بيت والدي كان بالنسبة لنا ( أوتيل ) للأكل والشرب والنوم فقط .. حياتنا وشهادة ميلادنا ومسقط رأسنا هو الحاره ( التراب / والطين / والشجر .... ) .. نحن سكان المدينه محرمون كثيرا من عبق الحياه وبألاخص الاطفال .. اني احسد اطفال الباديه والقريه .. هناك الانطلاق . هناك الحريه ... هناك العالم كله ( للكبير والصغير ) .. لا قيود ... هناك البصر الشاسع .. هناك الادراك ... هناك التأمل .. هناك الكرم وامحبه والأخلاص .. هناك الجار للجار .. هناك التقوى .. هنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاك منبع وأصل الحيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاه.
والسلام عليكم
Burhan_jazi@yahoo.com
شريط الأخبار الاطباء تنعى 3 أطباء أردنيين - اسماء المرصد العمالي يرحب بقرار الحكومة بوقف التقاعد الإلزامي للحفاظ على استدامة صندوق الضمان القاضي يوجّه كتاباً لـ حسان بخصوص إحالة موظفي الأمانة للتقاعد المبكر - وثيقة شراء خدمات دون مؤهلات مثبتة.. ابرز مخالفات "الجامعة الأردنية" اجتاحت العالم.. ما هي "الإنفلونزا الخارقة" وما خطورتها؟ النواب يحيل تقرير ديوان المحاسبة إلى اللجنة المالية "صناعة عمان" تحاضر حول مؤتمر (ديتيكيس 2026) في "العلوم والتكنولوجيا" تركيا تعلن العثور على الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي إدارة ترامب تلغي برنامج قرعة هجرة ارتفاع الذهب محلياً الغذاء والدواء ترد على استفسارات "اخبار البلد" الاربعة .. التعيينات تتم اصولياً من خلال الاعلان عن الشاغر حظر تصوير طلبة الثانوية العامة مقتل مضيفة طيران بأكثر من 15 طعنة بأحد فنادق دبي الفاخرة !!!! اعتداء وحشي على فتاة خلال استلام ميراثها.. صور أفضل وقت للفطور لخفض الكوليسترول اجراءات قانونية ضد المتورطين بسرقة المناهل وداعاً للقرعة.. إدارة ترامب تلغي "تأشيرة اللوتري" الشهيرة شقيق معاذ الكساسبة يكتب كلمات مؤثرة في ذكرى استشهاده وفيات الأربعاء 24 - 12- 2025 طيار يزعم أنه التقى بـ"كائنات فضائية" في الجو.. ويصف شكلها