ثمة قلق اقتصادي يجري التعبير عنه بأشكال متعددة. الحكومة تقول إن البلاد أمام أزمة اقتصادية خانقة يصعب التعامل معها بالأدوات "الشعبوية" القديمة، والمعارضة بدورها تواصل الحديث عن الفقر ونتائج السياسات الحكومية والقرارات الاقتصادية.بين هذين الطرفين ثمة مخاوف تثار في مركز القرار دفعت باتجاه توزيع أسئلة سرا على نخبة سياسية واقتصادية محدودة في الأونة الأخيرة، ونشرت حولها تسريبات تشير إلى نتائج "صادمة وسلبية جدا" بخصوص رئيس الوزراء والحكومة والنهج الاقتصادي في نطاق أوسع، وتدفعنا إلى الشروع بأسئلة أكثر إلحاحا وتتعلق بمستقبل بلادنا وفي مقدمتها سؤال: هل بالأساس لدينا خطة اقتصادية واضحة الملامح أم أن الدولة تتعامل مع الملف الاقتصادي بمنطق إطفاء الحرائق أو ردات الفعل، وهو ما يجعل هذا الملف في مهب الريح وعرضة للعبث وبما يؤثر على منسوب الاستقرار في البلاد؟.وبمعرفة الإجابة من دون تجميل أو تضليل، فإن غياب الخطة يجعل النهج الاقتصادي ارتجاليا وخاطئا في أحيان كثيرة وغير محصن من الفساد، ولذلك فإنني لست ميالا إلى إلقاء عبء فشلنا الاقتصادي على شخص بعينه أو حكومة واحدة، فالأمر أكثر تعقيدا، وحصاد السنوات ينبئ عن مسار متعثر، وبطبيعة ما جرى فكلنا سرنا وما زلنا نسير في ذات الطريق، والأجدى في تقديري أن نعالج تراكم السنوات لا أن نقف أمام محطة أخرى من محطات الفشل ذاته.قلق الدولة مشروع، ولذلك فهي تسعى لقياس منسوب الغضب في الشارع، والهدوء النسبي حاليا لا يعني شيئا، ورئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور أكثر المسؤولين معرفة بتحرك الشارع.يستوقف المرء في هذه اللجة، جهود اللجنة التي تسعى إلى تقييم عمليات الخصخصة التي بدأت منذ ما يزيد على عقدين، وأعتقد أن المأمول من هذه اللجنة أن لا تقوم بعمل "ديكوري" لتضاف إلى سلسلة لجان قالت كلاما كثيرا في الاقتصاد وعيوبه من دون أن تجيب عن سؤال الثروة الضائعة أو حقوق الأردنيين التي نهبت عندما بيعت بعض موجودات الوطن في غفلة من الرقابة ولصالح أشخاص وأسماء وشركات لم يُسمع ببعضها ولا يوجد لها مكتب واحد، فلتقل مؤسسات المجتمع المدني كلمتَها في الخصخصة وآثارها، ولنتداعَ إلى حوار بعد ذلك يفضي إلى تصويب مسار الخصخصة المتعثر ويبقي على ما تبقى من ثروات ويحاول استعادة ما خسرناه بسبب نهج اقتصادي ما يزال قائما بكل عثراته.ليس مجديا أن يتستر أي مسؤول حكومي وراء "اتفاقات صندوق النقد" من أجل إقناع الشعب بأان السياسات والقرارات الاقتصادية مقدسة، وتصب في جانب إرضاء الصندوق بغية المزيد من الديون: وأن الحكومات لا حول لها ولا قوة؛ فكل واحدة تأتي لتتم ما ارتضته سابقتها وهكذا..، فيما يبدو هذا النسق في التعاطي مع الملف الاقتصادي أقرب الى وصفة الفشل.لا داعي لمزيد من البكائيات، فهدف التنمية في البلاد وأداتها، وهو المواطن الأردني، غير راض، وفي موازاته حكومات فشلت في تحقيق الحد الأدنى من إرضائه، وهذا ايضا مثبت بالأرقام والنسب والمؤشرات، والأزمة كل الأزمة في النهج الذي يجب أن نطوي صفحته بكل تداعياته الماثلة، والبدء بالتخطيط لمسار جديد لا تبعية فيه للخارج ولا ضغوط قاسية فيه على المستهلك في الداخل، نهج يصبح فيه الأردني منتجا لا رقما إضافيا في قائمة الإنفاق العام الطويلة
تداعيات القرارات الاقتصادية وأزمة النهج
أخبار البلد -