تجربتان مر بهما شعب فلسطين في مناطق الإحتلال الثانية عام 67 ، من داخل وطنه ، الأولى تمثلت بإجتياح شارون لمدن الضفة الفلسطينية ، التي سبق وإنحسر عنها الإحتلال منذ عام 1993 ، بفعل إتفاق أوسلو التدريجي متعدد المراحل ، فأعاد شارون إحتلالها بدءاً من نهاية أذار 2002 ، حرب السور الواقي ، بعد 24 ساعة من إعلان القمة العربية في بيروت " مبادرة السلام العربية " ، حين إجتاحت قوات الإحتلال جنين ومخيمها ونابلس وطولكرم والخليل وقلقيلية ، والبيرة ، وقصفت الطائرات الإسرائيلية مقرات السلطة الوطنية ومؤسساتها الأمنية ، لأول مرة ، هادفة تدمير مظاهرها ، وتطويق المقاطعة ، موقع الرئيس عرفات ومقره في رام الله ، وحصاره ، وتواصل حتى رحيله ، وإغتياله بالسم .
في 27 / كانون أول دسمبر / 2008 لغاية 17/ كانون ثاني يناير /2009 ، شن يهود أولمرت حربه " الرصاص المصبوب " على قطاع غزة ، وإجتاحها ، ودمر مبانيها ، ومساكنها على رؤوس أهاليها المدنيين ، وسجل أرقاماً قياسية في قتل النساء والأطفال ، وإستعمال الأسلحة الفتاكة الممنوعة ، في معركة غير متكافئة ، يفوق فيها جيش الإحتلال قدرات جيوش متقدمة .
ومع ذلك لا حرب السور الواقي على أهالي الضفة عام 2002 ، ولا حرب الرصاص المصبوب عام 2008 على أهالي قطاع غزة ، دفعت الفلسطينيين للرحيل أو الهجرة من وطنهم وعن أرضهم ، فلم يعد هذا الخيار في حساباتهم ، بعد رحلتي النكبة والنكسة ، بل ثبتوا وصمدوا ولا زالوا ، وهي خلاصة الحكمة ، ومرارة التجربة ، وخيار الواقع والمستقبل التي وصل إليها شعب فلسطين ، بعد قساوة الحياة والمخيم واللجوء التي مروا بها عامي 48 و 67 ، أعوام التشرد ، وفقدان الوطن ، وخسارة الإستقرار والطمأنينة والحياة الطبيعية السوية .
تجربتا النكبة والنكسة ، وتجربتا السور الواقي والرصاص المصبوب ، يقابلهم تجربتا الإنتفاضة المدنية عام 87 ، والمسلحة عام 2000 ، هي حصيلة التاريخ الفلسطيني على الأرض ، إضافة إلى تجربة بناء منظمة التحرير 64 والكفاح المسلح عام 1965 ، في منفى اللجوء ، وفرت للفلسطينيين خزينة من التجارب والمعارف والخبرات ما يدفعهم للإنحياز نحو البقاء في الوطن الذي لا وطن لهم سواه ، فلسطين .
إختارالفلسطينييون عبر مجلسهم الوطني ، وقرار قائدهم الراحل ياسر عرفات ، طريق المفاوضات والتعايش والتوصل إلى القواسم المشتركة ، وإستعادة جزءاً من حقوقهم أقلها إنهاء الإحتلال الثاني لمناطق 1967 ، أي الضفة والقدس والقطاع ، وقيام دولتهم المستقلة مع الحفاظ على حقوق اللاجئين وفق القرار الدولي 194 ، ولكن سياسة التوسع والتهويد والأسرلة هي السائدة في عقلية أصحاب القرار في تل أبيب .
العمليات الفردية ، والإحتجاجات الشعبية في الضفة ، ما زالت في بداياتها ، إذا لم يدرك الإسرائيليون أن شعب فلسطين لن يقبل بقاء الإحتلال ، ومعلقاً بدون أمل ، وبدون إجراءات تدريجية تُنهي الإحتلال ، وما تجربة الإنتفاضة الإولى والإنتفاضة الثانية سوى تعبير عن الرفض الفلسطيني للإحتلال ، فهل يفهموا ، ويستوعبوا الدرس ؟؟ .
h.faraneh@yahoo.com