سرّبت قيادات في الاخوان المسلمين معلومة مؤكدة حول رغبة جهة مهمة بإجراء حوار معهم،وتم تسريب اسم الشخص الذي وجه الدعوة ومكانته وموقعه،وبقية التفاصيل،والتسريب جرى عبر عدة وسائل اعلام ذات صدقية عربية وعالمية،وتلا ذلك اعادة نشر للمعلومة في الاعلام المحلي.
المفاجأة تجلت لاحقا بقيام نائب المراقب العام المهندس زكي بني ارشيد،المطل ايضا على ذات المعلومة بنفيها بعد تسريبها عبر الاعلام،بشكل ذكي اذ قال ان الاخوان المسلمين لم يأتهم اي طلب للقاء بشكل «رسمي» وهو هنا لم ينف الدعوة،وانما تحفظ على صيغتها عمليا،واعاد انتاج صيغة الدعوة وكلفتها على صاحبها.
اتصلت به لأسأله عن سر هذا التناقض فلم ينف المعلومة لكنه تحدث عن سياقاتها وانها جاءت من مسؤول،وفي سياق-قعدة- لم تتبعها اي دعوة رسمية،ولهذا اطلق تصريحه الذي يقول فيه ان الجماعة لم تأتها دعوات رسمية،وكأنه يقول هنا ان الشخص الذي وجه الدعوة وجهها دون استشارة مرجعياته،وباجتهاد شخصي منه،وهذا امر غريب حقا.
هناك تناقضات مربكة في كل القصة،لان الدعوة الى الحوار لايمكن ان تجري على لسان من وجه الدعوة بشكل شخصي او فردي،خصوصا،ان المسؤول لايمثل ذاته ولاشخصه،وهو يعرف هذه الحقائق قبل غيره.
الاسلاميون ذاتهم هم الذين سربوا المعلومة الى وسائل اعلام مهمة،ثم عادوا وقللوا من اهميتها،ولاتفهم سر هذه التناقضات،لكنك من باب التحليل تصل الى عدة احتمالات،لتفسير هذه التناقضات في كل القصة.
الاحتمال الاول يقول ان الجماعة قررت احراج الجهة التي وجهت عبر المسؤول هذه الدعوة وهو من الدرجة الثانية ولم تتبعها بإجراءات فعلية،عبر كشف الدعوة،وتسييلها الى الاعلام،للقول ان هناك غزلا سريا لم يكتمل،ومن اجل احراج الشخص الذي وجه الدعوة ومؤسسته ايضا،واثارة التعقيدات بينه وبين مرجعياته،في توقيت حساس للغاية.
الاحتمال الثاني يقول ان نفي نائب المراقب العام بشكل جزئي للمعلومة يعكس صراعا بين شخصيات جماعة الاخوان المسلمين،وتحديدا بين التيار الذي تلقى الدعوة للحوار،وتيار قد يشعر ان الحوار سيستهدفه في النتيجة وتحديدا تيار نائب المراقب العام،وهذا يعني ان تيار نائب المراقب العام اعتبر الدعوة ستكون نتائجها على حسابه وعلى انقاضه،فقام بالتقليل من اهمية المعلومة وحصرها في اطار محدود لا اهمية له.
الاحتمال الثالث يقول ان عتبا جرى تجاه الاخوان المسلمين من جانب الجهة التي وجهت الدعوة،جراء قيام الاسلاميين بتسريب معلومة الدعوة للحوار،وادى هذا العتب الى الاتفاق على نفي المعلومة او التقليل من اهميتها،لان كل الدعوة للحوار كان يراد منها جس النبض بعيدا عن الاضواء،وبشكل سري،وادى التسريب الى تخريب هذه الدعوة،وارتد التسريب عتبا،دفع الاسلاميين على لسان نائب المراقب العام الى وصفها عمليا بغير الرسمية،من اجل تخفيف اي توترات استجدت.
هذه ابرز ثلاثة احتمالات تفك سر التناقض في الدوافع عند الاسلاميين،اذ سربوا المعلومة،ثم قاموا لاحقا بنفيها بطريقة تمزج بين النفي الكامل،والنفي الجزئي عبر القول ان الاسلاميين لم يتلقوا دعوة رسمية،وهم في كل الاحوال يعكسون شيئا ما في داخل الحركة الاسلامية التي تريد حوارا سياسيا رفيع المستوى قبل اي حوار آخر،وتحديدا مع المرجعيات السياسية في الدولة،لاعتبارات عديدة.
تمنّع الاسلاميين وترددهم بتلبية الدعوة التي سربوا خبرها ثم نفوه بهذه الطريقة لاحقا،يتماشى مع رغبة الاسلاميين بحوار يبدأ بشكل سياسي ومن مستوى محدد مسبقا،ومن هنا فإن التسريب كانت غايته وظيفية ومقصودة.
هذا امر لافت للانتباه حقا،اذ ان روحية الاسلاميين لاتغيب عنها الاشتراطات حول مستوى الحوار،ومكانه،برغم اعتقاد المراقبين ان الاسلاميين في وضعية استسلام ويقبلون اي حوار ولو مع متصرف في وزارة الداخلية، وهذا على مايبدو غير صحيح أبداً.
السر داخل الجماعة،ولابد أن غامضه سيزول!.
لماذا ينفي الإسلاميون معلومة سربوها؟!
أخبار البلد -