قبل أيام عاد وفد أردني من العاصمة الايرانية، والوفد امضى ثمانية أيام في ايران في زيارة ليست الاولى من نوعها لوفد أردني الى الشرق.
لانتناسى ان الفرق بين هذه الزيارة وغيرها من زيارات الى مؤتمرات يكمن في حساسية توقيت الزيارة،فالتوقيت يلون الزيارة ويطبعها بأكثر من مغزى ودلالة،والذاكرة المعلوماتية تتحدث عن زيارات كثيرة سبقت هذه المرة،لوفود اخرى وعلى مستويات متعددة،وطوال العقود الفائتة.
جاءت زيارة الوفد الاردني في توقيت حساس يتعلق بالمكاسرة الدولية حول سورية،من جهة،ووجود انقسامات عربية واقليمية ودولية،حول سورية المحسوبة فعليا على المعسكر الايراني وسلسلة تحالفاته الممتدة.
الوفد لم يكن رسميا، بل شعبيا وضم ناشطين سياسيين وعماليين ومتقاعدين عسكريين ونواباً،واعضاء الوفد التسعة الذين زاروا طهران تمت دعوتهم من جمعية ايرانية تدعى جمعية الدفاع عن الشعب الفلسطيني وهي جمعية ايرانية تعنى بالدفاع عن القضية الفلسطينية.
تعرض الوفد الى هجوم هائل هنا في عمان، من جانب معلقين وعبر وسائل التواصل الاجتماعي،لان البعض اعتبر ان الزيارة بمثابة خرق سياسي وامني في توقيت صعب، على الرغم من ان الوفد لم يمس الأردن خلال زيارته بكلمة سوء واحدة، إلا ان لعنة التوقيت تفسر حملات الهجوم.
اعضاء الوفد يرفضون هذه الاتهامات ويعتبرون انهم تعرضوا لحملة قاسية هنا دون سبب،خصوصا،ان زيارتهم شعبية،ولم تتم بدعوة من الحكومة الايرانية،اي انها ليست رسمية،وهي ايضا لم تكن مؤذية للاردن وفقا لمنطوقهم على مسمع من حولهم وحواليهم،بعد الزيارة.
دعوة اي وفد الى ايران إذا تمت عبر مؤسسة او جمعية لاتتم بمعزل عن قبول السلطات الرسمية،وهذا امر معروف، فلا فصل فعليا من حيث المبدأ.
الاردن كان الملف الاهم الذي تحدث عنه الايرانيون خلال الزيارة،والوفد التقى مسؤولين ايرانيين حاليين وسابقين،وممثلين عن البرلمان وقطاعات اخرى ومستشار الامن القومي في ايران،ونائب وزير الخارجية الايرانية.
اثيرت خلال اللقاءات تفاصيل كثيرة اغلبها يتعلق بالاردن والعلاقات الشعبية والاقتصادية والسياسية،والايرانيون قدموا تحليلا للعلاقات مع الاردن،معتبرين ان اي علاقات للاردن مع دول اخرى،يجب ان لاتمنع العلاقات الايجابية مع ايران،ولو ضمن الحد الادنى،والايرانيون قالوا للوفد انهم يقدرون معادلة الاردن المعقدة،ومافيها من تجاذبات.
المسؤولون الايرانيون قالوا ان ايران مستعدة لتزويد الاردن بالنفط،خصوصا،ان استهلاك الاردن من النفط اقل من نصف استهلاك محافظة اصفهان الايرانية،وورقة النفط ورقة يتم الحديث عنها دوما.
إطلالة / بقية
الاردن الرسمي لايريد رفع سقف العلاقات مع طهران،وليس ادل على ذلك من عدم وجود سفير اردني في ايران،وهناك في الظلال قصص سياسية وامنية بقيت عالقة بين الطرفين،والواضح ان العلاقة تحكمها الشكوك من جهة،والاصطفافات من جهة اخرى.
العلاقات الاردنية الايرانية تعاني من البرود المزمن،وهذه حالة قائمة منذ عام 1980والعلاقات تدهورت بشدة جراء الحرب العراقية الايرانية.
العلاقات السياسية التي نراها احيانا في اتصالات مسؤولين هنا مع مسؤولين ايرانيين،واستقبال وزير الخارجية الايراني في عمان،ليست عميقة،والعلاقة لم تتحسن جذريا،والمؤكد ان اي انفتاح على ايران،لن يتم الا بعد ورود اشارات مؤكدة على تغير سياسات ايران الرسمية في عهد الرئيس الجديد،وهذه الاشارات تترقبها جهات دولية وعربية كثيرة،برغم معرفتهم ان القرار في ايران ليس بيد الرئيس منفردا وهو محكوم بسلسلة مؤثرات،حكمت سابقيه ايضا،وقد لايكون قادرا على التفلت منها.
غادر الوفد عبر بيروت،وعاد عبرها ايضا،والمؤكد ان قراءة المزاج الشعبي تجاه هكذا زيارة امر مهم لمعرفة الصورة الانطباعية المرتسمة في اذهان الاردنيين تجاه ايران،وهي صورة لم تتشكل في يوم وليلة،وجاءت جراء تراكم عقود من المواجهات السرية والعلنية بين بلدين ومحورين.
هذا بعض ماعاد به تسعة اردنيين بعد زيارة استمرت لثمانية ايام،وهي مدة طويلة،وفي باطنها انطباعات اعمق بالتأكيد من هذا التكثيف.