المستعرض لحديث رئيس الوزراء عبدالله النسور في خطابه الشهير لرفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية في تشرين ثان الماضي، يدرك مدى التفاوت والتناقض بين فحوى كلامه المعسول آنذاك، وسياسات حكومته المتبعة على مدار عام كامل، اعتمدت في مجملها على جيب المواطن ولقمة عيشه، دون أن تثمر بانتعاش الوضع الاقتصادي المتأزم، بعد أن ظلت سياسة التقشف "الترويجية" حبيسة أدراج مكاتب الوزراء والمسؤولين، ولنا المثل في صورة رصدت عرّابها (أي النسور) يهم بالانقضاض على "سدر منسف" يشبع من بقاياه مئة مواطن أردني.
بصوته الدافئ وعينيه المغرورقتين، وكما عهدناه خطيبا بث النسور النبأ الأهم - من وجهة نظري الخاصة خلال فترة رئاسته حتى هذه اللحظة وهو رفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية - في حلقة تلفزيونية مسجلة قبل أربع ساعات على الأقل من بثها، رغم إجهاد التلفزيون الرسمي نفسه بمحاولات جادة لإظهارها بمظهر النقل الحي والمباشر، تبعتها موجة عارمة من الاحتجاجات التي استمرت لعدة أيام وكادت تؤدي لحالة انفلات أمني غير مسبوقة.
أذكر جيدا حينها أن النسور عرج خلال خطابه ذي الشجون – كاد يبكيني بأسلوبه الأقرب للموعظة الوطنية – على تجربة الإخوان المسلمين في مصر مع رفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية وهم في زمام السلطة هناك كمأخذ سياسي على إخوان الأردن، وهو بحد ذات تجاهل لوجود باقي الأحزاب والتيارات والحراكات الشعبية الموجودة على أرض الواقع شاء النسور أم أبى.
الرجل في ذلك اليوم تحدث طويلا وبشكل ممل عن آليات صرف الدعم للموطنين، وكيف ستتم بسهولة ويسر دون امتهان لكرامة أي منهم، والله حينها شعرت أن النسور سيدق باب بيتي متخفيا ويعطيني كامل مبلغ دعمي ودعم أسرتي، وهكذا ستة ملايين مواطن( يعني حلم وردي)، بدهاء عجّل من صرف الدفعة الأولى (وهذه أولى المفاجآت الدعم بالأقساط المريحة) لوأد الحراكات الاحتجاجية على رفع الدعم، ماطل بالدفعة الثانية، وعلق الدفعة الثالثة "الحالية" لأجل غير مسمى.
وكبرى مصائبي أنني صحفي – في نظر الجميع يعرف عن الحكومة ما لا تعرفه عن نفسها – فكلما حللت بمكان أو وطئت سهلا، ودخلت في جلسة أو سهرة بين أهلي وأقاربي وأصحابي حتى يبادرني أحدهم بلسان حال الجميع، متى ستصرف الحكومة الدفعة الثالثة من دعم المحروقات، مع أنني أكثر من يسأل نفسه السؤال ذاته دون أن أجد إجابة أرويها لدائني أولا، بعد أن تحول المواطن الأردني من مرحلة الاستدانة على الراتب لمرحلة الاستدانة على الراتب ودفعة دعم المحروقات مسبقا.
التساؤل الآخر الأكثر تعقيدا وكان يريحني من الإجابة على السؤال الأول يدور حول موعد الضربة الأمريكية للنظام السوري واندلاع الحرب في المنطقة، مع أنني لا أجلس في حضن أمريكا لتبلغني بساعة الصفر، ولم تسعفني تجربتي الصحفية المتواضعة في حجز مكان لي في أحضان الحكومة لتخبرني بالموعد المجهول لدفعة الدعم، والأولى أن يتوجه الشعب بالتساؤلين للنسور نفسه والشك يعتريني بأنه يمتلك القدرة على الإجابة عنهما.
أضم صوتي إلى صوت المواطن الأردني وأسأل رئيس الوزراء عبدالله النسور عن موعد صرف الدعم الحكومي، علما بأن إرجاء كل دفعة عدة أيام حتما سيحرم المواطن في المحصلة النهائية من إحداها، إذ أقترح على قادة الرأي العام وقيادي الحراكات الشعبية أن نخرج في "جمعة" تحمل عنوان: أين الدعم يا نسور؟، ذلك أن الدعم حق لكل مواطن وليس لأحد منة أو فضل في صرفه.