رغم حزننا نحن السوريين على ما أصابنا, فإن أوباما أصر على قصفنا بغبائه وأحزانه. وحزن أوباما وأصحابه وحلفائه ليست على ما أصاب ويصيب العرب والمسلمين في شتى أصقاع الأرض. فحزن وارتباك أوباما أصحابه, لخصها بعض المحللين بما يلي:
• ما يلقاه أوباما من معارضة لضربته الجوية بصواريخه المطلية باليورانيوم المنضد. والتي يريد أن يكرم السوريين وبعض العرب و أردوغان بها. وكأني به غبي, يجهل أن الحروب الجوية العزلاء من تدخل المشاة والمدرعات لا تحقق نصراً. باستثناء هجوم بلاده بالقنبلة الذرية على هيروشيما وناغازاكي, في شهر آب عام 1945م. فالضربات الجوية الاميركية على فيتنام لم تفلح في تحقيق النصر, ولم تجدي في إبعاد هزيمة بلاده بعد 7أعوام, رغم التضحيات الكثيرة والكبيرة. وهذه الهزيمة تزوره يومياً في مكتبه بشخص كيري وماكين وغيرهما. ولم تفلح ضربات ريغان على ليبيا بإسقاط القذافي. ولا ضربات كلينتون الجوية على العراق بإسقاط صدام حسين. ولا ضربات إسرائيل الجوية على لبنان وغزة في الثني من عزيمة قوى المقاومة. ولم تفلح ضربات هتلر الجوية على بريطانيا, من 1940-1941م من إسقاط تشرشل وتحقيق نصر ولو هزيل.
• ما يواجهه أوباما من رفض شعبي عالمي لضربته الجوية. والرفض الشعبي الأميركي لهذه الضربة, التي قد تجر بلاده إلى تورط في الحرب. فنسبة كبيرة من الاميركيين قلقون من أن تجرهم الضربة إلى حرب جديدة هم بغنى عنها.
• الكونغرس على الأغلب لن يوافق على ضربة أوباما وكيري, رغم جلسات لجانه الماراثونية. فبعض أعضاء الكونغرس يرون أن الضربة ستفيد الرئيس بشار الأسد بدل أن تضره, وأنها ستفاقم الوضع في الشرق الأوسط, وستضع الولايات المتحدة الامريكية في موقف هي غير مستعدة له وقد لا يناسبها. وانتزاع تأييد من مجلس النواب, يحتاج لموافقة مجلس الشيوخ. وحتى قرار الكونغرس ليس ملزماً للرئيس أوباما, فللرئيس الحق في توقيعه أو رفضه, أو طيه في الدرج.
• واندفاع الصقر الجمهوري ما كين لتوجيه الضربة لا يحظى بتأييد الجمهوريين.
• ما ستسفر عنه التحقيقات بشأن مصير CIA , بعد أن تبين أن خُمس عدد المتقدمين للتوظيف في هذه الوكالة على صلة بإرهابيين أو استخبارات معادية.
• أوباما بات أسير لهجة خطابه السياسي المتشدد, وهامش المناورة أمامه يضيق, مما أوصله إلى طريقين أثنين أحلاهما مر: إما المضي بالضربة, أو تراجعه عنها.
• الدعم الايراني لسوريا يشكل نعمة ونقمة للسياسة الاميركية, إذ يلهب أجواء التوتر وعدم الثقة بين طهران وواشنطن, ويُعقد مهمة التوصل إلى تسوية محتملة في ملف طهران النووي, ويثير ريبة البعض من دور إيران, فيضغطون ويضيقون الخناق على أوباما وحلفائه. مما يضيف حرجاً جديداً عليه. هو بغنى عنه
• الولايات المتحدة الأمريكية لم تتدخل في العراق وليبيا إلا بعد نزع أنيابهما النووية, وتيقنها من خلو الدولتين من أسلحة مؤثرة, وفرض نظام عقوبات وحصار ظالم غير مسبوق في قسوته, كانت ضحاياه من عموم الشعب بأكمله. بينما لدى واشنطن شكوك بأن سوريا تمتلك أسلحة مؤثرة باتفاقية ثنائية مع الاتحاد السوفياتي السابق بعهد أندربوف. وربما هذا هو سبب اتهام البنتاغون لروسيا بتوريد السلاح الكيميائي لدمشق. ورد روسيا بأن هذا الكلام هراء.
• والاستراتيجيات طويلة الأجل بين واشنطن وموسكو لتقويض المكانة العالمية لبعضهما البعض تزداد حدة. والحرب بينهما تقوم على الطاقة, وتجري بين الكواليس. والتنافس والحرب مستمرتان في المستقبل المنظور. ولن تتوقف المعركة حول سوربا بين واشنطن وموسكو مالم يتم التوافق على المصالح النفطية في شرق البحر الأبيض المتوسط, وخطوط الغاز الأخرى.
• وإسرائيل تعيش أجواء الضربة والحرب أكثر من سوريا. فإسرائيل تراقب الأوضاع بسوريا بقلق عالي الحدة والشدة والضغط. لأن الاسرائيليين يخافون من رد فعل عسكري ضد إسرائيل على ضربة أوباما, مما يضع إسرائيل على خط المواجهة, بعد أن أوضح مسؤول سوري, بأن الضربات الانتقامية المحتملة سوف تطال إسرائيل. فضربة أوباما بسحبها القاتمة وبرقها و رعدها وشحوب أجوائها وتداعياتها, ستضع مصداقية الولايات المتحدة الاميركية على المحك, وتآكل قوة الردع الاميركي سيكون فألاً سيئاً بالنسبة لكل من إسرائيل, وواشنطن, وحلفاء واشنطن المخلصين, وحلف الاطلسي معاً.
• والنزاع المطول والطويل في سوريا وإن كان السبيل الأفضل بنظر أوباما لضمان أمن إسرائيل. وخاصة أنه يولد شعوراً معادياً و متزايداً لإيران في سوريا والعالمين العربي والاسلامي. وربما قد يقود إلى اصطفاف غير مقصود يجمع بين بعض الانظمة وإسرائيل. ويحول الأنظار عن النزاع العربي الاسرائيلي. ويتسبب باستنفاذ موارد إيران. إلا أن تطور معقل الجهاد العالمي بهذا الشكل وعلى نطاق واسع يشكل خطراً حاضراً ومستقبلاً على مصالح بلاد أوباما وإسرائيل.
• ان الاستمرار بالتركيز التام على الأهداف المتعلقة بالأسلحة الكيميائية في أية ضربة أو عملية عسكرية يتم توجيهها للربط بين العقاب والجريمة في عيون النظام والمجتمع الدولي والشعب له مزايا متعددة, إلا أن الخيار الأمثل هو عالم خالٍ من كافة أسلحة الدمار الشامل. وهذا الخيار تحقيقه من المستحيل.
• والامين العام بان كي مون حزم امره على ما يبدوا, وبات يرفض أية ضربة و عمل عسكري من خارج مجلس الأمن الدولي. والحل السياسي بنظره هو الحل الوحيد للازمات. لأن الحل العسكري خطراً على حياة موظفيه الأمميين. ولهذا السبب قالت كاترين آشتون: نطالب بحل الازمة عبر مجلس الأمن.
• و الادارات الاميركية السابقة كانت في سياستها خارجة على الشرعية الدولية ومنظمة الأمم المتحدة. ولكن الضغوط تتصاعد على إدارة أوباما لإدخالها بيت الطاعة للشرعية الدولية, و يقاوم أوباما كي لا يشذ عن القاعدة المتبعة.
• تصويت مجلس العموم البريطاني ضد التدخل العسكري في سورباً, صدم أوباما وكاميرون وهولاند وطوني بلير, وقد تسبب لهم الصدمة مرض نفسي.
• وميركل مصابة بالحزن والاكتئاب والاحباط من الفيتو المزدوج في مجلس الأمن من قبل روسيا والصين. والفيتو بنظرها يحبط تمرير أي حل.
• والرئيس الفرنسي الذي لا يحتاج إلى موافقة البرلمان للشروع في عمل عسكري ضد سوريا, يخاف أن لا يحظى تدخله بشعبية بين الفرنسيين. ولهذا غَيّر استراتيجيته, وسمح بمناقشة برلمانية دون التصويت على عمل العسكري. ولكنه لم يستبعد تقديم التدخل العسكري بسوريا في نهاية المطاف على التصويت في البرلمان. وهو ما يعكس ارتباكاً لديه. وهذا معناه أن واشنطن سوف تجد صعوبة متزايدة في اعتماده على الاتحاد الأوروبي.
• وطبيعة الحرب في سوريا بنظر الجنرال ديمبسي تعمل في غير مصلحة أوباما وحلفائه. لأن المنتصر في هذه الحرب ليس من يهزم خصمه بالضربة القاضية, بل هو من يظهر قوة على البقاء , وينزف نزفاً أقل من خصمه.
• أوباما وحلفائه استقتلا واستماتا لتعزيز الزخم للقيام بعمل عسكري ضد سوريا, فاجهض مجلس العموم حلم وأمل كاميرون. مما أجبر أوباما إلى التوجه للكونغرس ليتسول من ممثلي بلاده قراراً لا يجد أنه في حاجة إليه. وجاءت جلسة مجلس النواب جلسة ماراثونية, حين أنبرى بعض صناع القرار يحضون غيرهم على التصدق والاحسان بقرار على أوباما, شعر فيها بالضعف والضيق.
• أنه لا يوجد كالشعب السوري الذي يشعر بضعف وتردد واشنطن, فالرئيس السوري أستطاع البقاء خلافاً لجميع التوقعات والتنبؤات. ولم يظهر الضعف كأوباما. وأظهر تصميماً وقوة شخصية وبرود أعصاب كبير لم يتوقعه كثيرون, وهو يعتمد على الوقت. وأوباما متهم بأنه منحه وقتاً أثمن من الذهب.
• تهديد الرئيس الايراني. والذي قال فيه: أي عدوان على سوريا سيصيب أصدقاء واشنطن في المنطقة. وكذلك تهديد فيصل المقداد. الذي قال فيه: سنرد ليس ضد إسرائيل فقط, بل ضد الأردن وتركيا إذا شاركتا بأي عملية.
• وخسائر واشنطن في حربها على سوريا ستكون أكبر من خسائرها في العراق.
• وتدفق القوات والقطع البحرية والاساطيل إلى شرق البحر الأبيض المتوسط بهذا الحجم, سيجعل من أي احتكاك أو خطأ مقصود أو غير مقصود سبباً لاشتعال نيران الحروب. وهذه الحالة أشبه بمن يقرب عود الثقاب من البنزين. وربما لهذا السبب أقترح الرئيس الروسي بوتين مناقشة الملف السوري مع قادة ال 20 في هلسنكي خلال مأدبة العشاء. حيث أوضح بوتين أن ضرب دولة ذات سيادة من خارج مجلس الأمن ممنوع. وحذر بوتين زميله أوباما من أن كلفة الحرب ستتجاوز 40-60 مليار المقدرة التي ستدفعها دول الخليج إلى 600 مليار دولار. لن المنطقة ستنفجر كلها, وأن قمة العشرين جاءت لتحسين الاقتصاد العالمي, وأن الولايات المتحدة الامريكية ليس بمقدورها مع حلفائها تحمل التكلفة المترتبة على انفجار الشرق الأوسط بأكمله, ما سيزيد في أعباء أفولها الاقتصادي. وهذا يعني أن الصراع سيكون مفتوحاً في حال نفذ الرئيس أوباما ضربته. وتساؤلات أوباما بخصوص محدودية الضربة سقطت, فالنتيجة إما ضربة ستشعل حرباً, أو لا ضربة لا محدودة ولا عاقلة.
• فشل أوباما في أن يأخذ من بوتين ما يؤكد أن رداً لن يحدث على ضربة محدودة وعاقلة على سوريا باتجاه إسرائيل. حيث كان جواب بوتين: مع أنه صديق لسوريا, ولكنه لا يملك تحديد طبيعة رد فعل السوريون على الضربة.
• وبقاء الخلافات قائمة بين بوتين وأوباما إثر لقائهما الأخير, باستثناء الاتفاق على بقاء الاتصالات بين كيري ولافروف, و زيارة وزير الخارجية السوري إلى موسكو, كل ذلك يعطي فرصة لاتفاق الربع ساعة الأخيرة قبل توجيه الضربة.
• وموقف بابا الفاتيكان المعارض للضربة بات يحرج أوباما وهولاند وكاميرون.
• وأوباما مستعد للمقايضة على دعم الحل في سوريا إذا ضمن عدم ترشح الرئيس السوري عام 2014م,أو نزع سلاح سوريا الكيميائي على الأقل.
أوباما يقصفنا بغبائه وأحزانه. بدل أن يخفف الاعباء عن السوريين. وبات مرتبكاً وحائراً ومتردداً بعد أن أوصل بلاده نتيجة سياساته البلهاء إلى حائط مسدود. و يبدوا أن الاستغناء عن وزير خارجيته كيري يبدوا هو الحل. وأنه بات مجبراً على إعادة صياغة السياسة الاميركية: إما بما يرضي إسرائيل, أو بما يضمن أمن ومصالح بلاده. وأنه بات لزاماً عليه تحرير إرادته وقراره من أنياب ومخالب كيري وماكين ومحافظيه.