تعد القواعد العسكرية الأميركية في الأراضي التركية من أهم العناصر والمكونات الفاعلة في طبيعة العلاقات التركية – الأمريكية، وتعود بداياتها إلى عقد الستينيات من القرن العشرين، عندما عقدت الولايات المتحدة الأمريكية مع تركيا اتفاقية في عام 1969، سمح بموجبها للولايات المتحدة بإقامة (26) ست وعشرين قاعدة عسكرية، بالإضافة إلى مراكز الرصد والإنذار المبكر، ومراكز الاتصالات اللاسلكية، وقواعد التجسس وجمع المعلومات، وكذلك التسهيلات البحرية في أهم الموانئ التركية. ولقد عززت الولايات المتحدة القوات المسلحة التركية، بحيث أصبحت تمتلك اكبر قوة برية تقليدية (غير نووية) بعد ألمانيا الغربية السابقة في حلف الناتو. كما أن موقع تركيا القريب من منابع النفط يعطيها ميزة كقاعدة جيدة للسيطرة على منابع النفط في الخليج العربي، ويسمح للولايات المتحدة السيطرة على معظم الطرق الجوية والبرية المباشرة بين الأقطار العربية والدول المجاورة وأفريقيا، كما يمنحها العديد من القواعد الجوية والبحرية اللازمة لتسهيل مهمات حلف شمال الأطلسي، ويجعلها قادرة على تركيز وسائط الرصد والإنذار المبكر ومحطات التجسس لمراقبة التحركات العسكرية لدول الجوار، ومن أهم القواعد العسكرية الأمريكية في تركيا :
1- قاعدة انجرليك: وهي من أضخم القواعد الجوية للحلف الأطلسي المقامة على الأراضي التركية، وتقع على أبواب مدينة أضنة، إذ إن تجهيزاتها من الطائرات والصواريخ وأجهزة الاتصال الرادارية المتطورة والبعيدة المدى إضافة إلى تواجد الآلاف من الجنود من الأمريكان والأوروبيين، تسمح لهذه القاعدة بالسيطرة على أجواء الجزء الشرقي من البحر المتوسط، إضافة إلى مهماتها المخصصة للهجوم والدفاع، فإنها تضم عشرات الطائرات من أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الغرب من طراز فانتوم وغيرها. كما تتمركز فيها وحدات من القوة الجوية الأمريكية التكتيكية، وتشكل البوابة الرئيسية التي ينفذ من خلالها 70% من الإمدادات الجوية الأمريكية وحلفائها في كل من العراق وأفغانستان، و29% من الوقود المستهلك، و19% من المواد الغذائية. وباختصار شديد، فإن إغلاقها في وجه الأمريكيين يعني البحث عن طريق بديل وتكلفة أكبر تصل سنوياً 160 مليون دولار، وتتولى هذه القاعدة بدورها مهمة تدريب الطيارين الأتراك ومن دول حلف الأطلسي المتواجدين في المنطقة من جنسيات مختلفة، وهو تدريب شاق وذو مهمات صعبة ومعقدة وذو طبيعة غير اعتيادية. إضافة إلى ذلك كله. فإن هذه القاعدة تقوم بواجب الدفاع عن الخاصرة الجنوبية لحلف شمال الأطلسي في حالة نشوب نزاع ما بين الشرق والغرب، وقد استخدمت هذه القاعدة بشكل واسع في ضرب أهداف داخل العراق، وهي تستخدم حالياً لتقديم الدعم اللوجستي للقوات الأمريكية العاملة في العراق وفي عمليات التبادل الدوري لتلك القوات، وربما تلعب هذه القاعدة في المستقبل القريب الدور الأهم بعد إعادة خطة الهيكلة الشاملة للقوات الأمريكية، والتي تعرف " وثيقة المراجعة الشاملة للوضعية الدفاعية الأمريكية"
2- قاعدة: سينوب: وتقع هذه القاعدة على الشاطئ الجنوبي للبحر الأسود، وتوجد فيها رادارات بعيدة المدى وأجهزة اتصال متطورة، ويديرها موظفون من وكالات الأمن القومي، ومهمتها جمع المعلومات عن نشاطات الدول القريبة من منطقة البحر الأسود، ورصد تجارب الصواريخ النووية وجمع المعلومات والنشاطات البرية، وهذه القاعدة مزودة بأجهزة الكترونية متطورة حيث تلتقط رسائل الراديو الخاصة باتصالات الطائرات.
3- قاعدة بيرنكيك: وهي مخصصة للإنذارات المبكرة، في حالة حصول أي هجوم صاروخي مٌعادٍ، وهذه القاعدة استخدمت أثناء خلع شاه إيران "محمد رضا بهلوي" عن العرش، والأحداث الإيرانية التي تلت ذلك داخلياً وخارجياً بالتنسيق مع الأقمار الصناعية التي تلعب هي الأخرى دوراً في مجال الاتصال والمراقبة، وتقع على بعد (30) كيلومتراً شمال ديار بكر.
4- قاعدة كارنمابردن: وتقع على الجانب الشمالي من بحر مرمره، وهي قاعدة لخفر السواحل، وفيها محطة لتوجيه الملاحة البحرية عن بعد، مهمتها مساعدة سفن الأسطول السادس على تحديد مواقعها بدقة.
5- قاعدة أزمير الجوية: وتستخدم هذه القاعدة للدعم الجوي، وتُعَدُّ مقر القيادة البرية للجزء الجنوبي من حلف شمال الأطلسي، وفيها قيادة القوة الجوية التكتيكية للأسطول السادس.
6- قاعدة بلياري: تقع هذه القاعدة جنوب العاصمة أنقرة، وتعتبر مركزاً رئيساً للتنصت على التجارب النووية التي كان يجريها الاتحاد السوفييتي السابق، سواء في البحر أو في باطن الأرض.
7-قاعدة أنقرة الجوية: هدف هذه القاعدة تأمين الجسور والإشراف على أجواء البحر الأسود، وفيها مركز عمليات تركي ـ أمريكي مشترك...
8- قاعدة سيلفلي: تقع إلى الشمال من أزمير، وهي قاعدة جوية تكتيكية تستخدم عند الحاجة للقوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي.
9- قاعدة الاسكندرونة، و(يومورتاليك): وتقعان بالقرب من الحدود السورية، وتعدان من أهم مستودعات التموين والمحروقات وفيها 20% من مخزون الأسطول السادس من الوقود، ومركز لتأمين الاتصالات الأمريكية، ومحطة رادارية أرضية تابعة لنظام الرصد والإنذار المبكر لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
من ذلك كله يمكن القول إن موقع تركيا الاستراتيجي له أهمية كبيرة لدول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تقوم بدور مهم وأساسي في دعم القواعد العسكرية للحلف الموجودة في الأراضي التركية، من خلال تجهيزها بأحدث الطائرات من طراز (أف/16 واف/18 وأف/111)، إضافة إلى أنواع أخرى ما زالت سرية. وتدعم هذه الطائرات مجموعة ضخمة من الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى يصل مدى بعضها إلى (6000-8000) كيلومتر، وهي شديدة التدمير، وهي أنها سوف تلعب دوراً رئيساً (في أية مواجهة محتملة بين الشرق والغرب)، إضافة إلى معدات حديثة جدا في مجال الإنذار المبكر والمراقبة وغيرها. ويبدو أن حلف شمال الأطلسي يتمسك بهذه القواعد، ويعتبرها جزءاً حيوياً منه، ومن المستبعد، التخلي عنها، إذ دخلت في لعبة السياسة الدولية. وفي مقابل ذلك، تحاول تركيا زيادة مخصصاتها الدفاعية عاماً بعد أخر، حتى لو كان ذلك على حساب التنمية الاقتصادية والتعليم والصحة والصناعة المدنية وتحسين مستوى الدخل القومي ودخل الفرد.