بدأت فكرة تقديم الدعم النقدي في العام 2008، وفي حينه وضعت الحكومة قاعدة بيانات تعتمد عليها لتوزيع الدعم المالي للأسر المستحقة للدعم.
لم تستمر العملية ووزع الدعم لمرة واحدة فقط، وجُمّدت الآلية حتى جاءت حكومة د.عبد الله النسور الأولى، واتخذ قرار تحرير المحروقات.
المفاجأة أن الحكومة لم تجدد قاعدة البيانات بشكل كاف، يكفل تقديم الاستحقاق لكل أردني تنطبق عليه شروط الحصول على الدعم، واعتمدت في التقديم على البيانات المتوفرة منذ العام 2008، مضافا إليها أولئك الذين استغلوا الفترة التي حددتها الحكومة لتقديم طلبات جديدة.
المهم ظلت البيانات ناقصة، وثمة شكاوى متعددة اليوم من أُسر استحقت النقد لكن لم يعد بإمكانها الاستفادة من الدعم، بعد أن أغلقت الحكومة الباب.
البعض علّل عدم تجديد المعلومات بضيق الوقت، والغاية تسريع صرف الدعم النقدي، لتهدئة الشارع الذي خرج محتجا إبان اتخاذ قرار المحروقات.
ربما لم تقصد الحكومة ارتكاب هذا الخطأ لكنها مضت فيه، حينما رفضت الجهات التنفيذية استقبال كثير من طلبات مواطنين يستحقون الدعم بعد توزيع الدفعة الأولى منه، بحجة أنهم لم يتقدموا بالطلبات خلال الفترة المحددة.
وثمة تفسير آخر أن وزارة المالية توقفت عن استقبال الطلبات لتخفيض قيمة الدعم الذي تدفعه، لكل من يقل دخله عن 800 دينار شهريا. مشاكل الدعم النقدي للمحروقات لم تحلّ بعد، وفي الأثناء بدأ الحديث يسري عن البطاقة الذكية كوسيلة جديدة لإيصال الدعم لمن يستحقه مقابل وقف الدعم عن الخبز.
متخذ قرار إزالة تشوهات سياسة الدعم يعلم أن القرارات لا تروق للمجتمع، الذي رفض قرار تحرير المحروقات في تشرين الأول الماضي، لكنه استوعب القصة وتعايش مع الواقع الذي فرضته الحكومة. المشكلة أن من ينفذ القرارات لا يلتفت لأخطاء التطبيق، ولا يراعي أن من يبحث عن بضعة دنانير بالتأكيد يحتاجها، لذلك فالأَوْلى أن تعيد الحكومة فتح باب الاستفادة من دعم المحروقات، قبل أن تشرع بتحرير أسعار الخبز. وبما أن نهج تقديم الدعم النقدي المباشر للسلع والخدمات مستمر، فمن المفيد أن تجتهد الحكومة قليلا وتضع قاعدة بيانات كاملة وموحدة، بحيث توحّد مبالغ الدعم النقدي في نافذة واحدة، فليس من المنطق أن يكون دعم المحروقات نقديا ويقدم من خلال بنوك، في حين مخصص الخبز يقدم عبر البطاقة الذكية، وهناك حديث غير مؤكد عن دعم مالي للمياه مستقبلا. ردود الأفعال الرافضة للبطاقة الذكية بدأت أمس حين هددت نقابة أصحاب المخابز بالاستقالة، وبيّنت مساوئ البطاقة على القطاع ومستوى أسعار جميع منتجاته، وللجميع أن يتخيل تبعات المساس بالطحين ومنتجاته، تحديدا الخبز الذي عادة ما يوصف بأنه خط أحمر.
تعدد نوافذ وأساليب تقديم الدعم النقدي يكشف عيوب ضعف الإدارة والتفكير الخلاق، فطالما أن الجهة المسؤولة عن العملية واحدة وتتمثل بوزارة المالية ودائرة ضريبة الدخل التابعة لها، فلماذا لا يتم توحيد قنوات توجيه الدعم النقدي، ليكون أكثر حفظا لماء وجه المواطن وكرامته؟
مأسسة العملية وضمان استمراريتها ضرورة، وتتطلب تحديد نافذة واحدة لتقديم الدعم، بحيث يحصل عليها المستفيد مرة واحدة وبقناة واحدة، ويا حبذا لو كان نقديا.
في المعطيات يبدو من المفيد أن تتأنى الحكومة قليلا في موضوع الخبز، وأن تعيد فتح باب الاستفادة من الدعم النقدي للمحروقات لإزالة كل التشوهات القائمة.
التحضير بحاجة لعمل كبير ومخلص، واستقبال الطلبات يجب أن لا يحصر بمدد محددة، فالدعم النقدي حق لمن يستحقه، ويجب أن لا يحرم منه، وعلى الحكومة أن لا تظلمه مرتين.
الخبز مادة شديدة الحساسية لدى جميع المجتمعات، فلماذا يكون الأردن استثناء؟!